الأحد، 22 أغسطس 2010

لو لم أكن بشريا .. لوددت أن أكون أخطبوطا



حسنًا ..
لنبدأ بمقولتين :
أولهما : "بداخل كل منا حيوان يشبهه" ... لا أحب هذه المقولة .
الثانية : " لكل منا حيوان مفضل " ... أفضّل هذه أكتر من سابقتها .

بالتأكيد لعبنا جميعًا يومًا ما لعبة " طلعنا سوا " .. يجلس مجموعة من الأطفال بعد أن يختار كل منهم حيوان ما وتبدأ اللعبة
(( طلعنا سوا .. نزلنا سوا .. طلعت أنا والجمل .. نزلت لوحدى ... وهكذا ))
أكاد أكون الطفل الوحيد الذى لم يمارس هذه اللعبة .

باستثناء السلاحف (وبالأخص سميرة سلحفاتى العزيزة ) لم أدرك أبدا حيوانى المفضل .. كنت أتعجب لم قد يثير هذا الحيوان (بالذات) إعجاب هذا الشخص (بالذات) للدرجة التى تجعل ذلك الشخص يقبل بأن ينوب عنه هذا الحيوان فى مهمة خطير كــ (لعبة طلعنا سوا) !

هذه اللعبة كانت تثير ضيقى بشدة .. حقًا أكرهها !


- كثيرًا حاولت إختلاق لنفسى حيوانا مفضلا .. فقط من أجل اللعبة
لم أقتنع أبدا بقدرات وصفات أى حيوان .. أردت دائما حيوانا يعبر عنى .. يصلح أن يكون نائبا لى
ولأن الأسد دائما كان محجوز لصاحب اللعبة المتحكم فيها " واللى لازم يكون شخص بكرهه أكتر من اللعبة نفسها " .. فتأرجحت دائما إختياراتى ما بين :

الطاووس المختال بجماله .. لا أحب أمثاله .
الفهد المختال بسرعته وقوته .. لا أحب أمثاله كذلك .

يرغم إقتناعى التام أنهما يشبهانى كثيرا خاصة فى صفة الغرور .. إلا أننى أردت حيوانا لا يعتز بقدراته
أردت حيوانا به جميع مميزاتى (بالمناسبة هناك صفات يراها البعض عيوبًا بينما أراها مزايا عظيمة)
وفى ذات الوقت يخلو من كل عيوبى (بالمناسبة برضه هناك صفات يراها البعض ميزات بينما أراها عيوبا قاتلة)
أردت حيوانا بصفات معينة .. يثق بنفسه .. يعرف قدراته جيدا .. لا يعتز بها .. فقط يلجأ إليها عندما تكون آخر أسلحته (وبذلك أكوت تخلصت من عدد لا بأس به من عيوبى) .
باختصار : أردت حيوانا يكون .. "أنا" بعد الفلترة من عيوبى !

========================

مرت فترة الطفولة بدون أن أجد هذا الحيوان .
تلتها فترة المراهقة .. ولم أجده .
ثم فترة البلوغ وبعد كل هذه السنوات .. لم أجده أيضا .

سنوات كثيرة من البحث بلا فائدة .. كانت كفيلة بأن ترّسخ فى ذهنى حقيقتين ثابتتين :
أولهما أننى لن أجد هذا الحيوان أبدا .
والثانية أننى لم ولن ألعب لعبة (طلعنا سوا) مع أصدقاء الطفولة أبدا .

ومع تنامى الشعور بالإحباط بسبب الحقيقة الأولى .. وفى محاولة لا إرادية للتغلب على هذا الشعور .. تحورت رغبتى بعض الشئ ..
أيقنت أنه لا مانع من تقديم بعض التنازلات على أساس (برضاك أحسن من غصب عنك )
بدأت أرغب فى حيوان ليس شرط أن يكون به مميزاتى أو أن يخلو من عيوبى .
أريد حيوانا يساعدنى كى أمضى حياتى بسلام .
أريد حيوانا أكون أنا مثله .. لا أن يكون هو مثلى .
باختصار : أريد حيوانا يكون .. أى شخص ما عدا أنا !

=============================

فقط أيام قليلة مرت على رغبتى الجديدة .. حتى وقع تحت يدى بالصدفة مقالا عن الكائنات البحرية ...
ويا للدهشة !! *جملة مش مناسبة أنا عارف .. بس بحبها أوى *
أخيرا وجدت ضآلتى
وجدت الحيوان المطلوب .. إنه ....
(بتفكر فى إيه .. أكيد الأخطبوط يعنى .. باينة من العنوان )
أعلم أن كثيرين سيرون هذا غريبا .. ولكن ما قرأته كان كافيا جدا لكى يكون الأخطبوط ...
حيوان أحلامى

حسنا .. سأسرد بعض الحقائق عن الأخطبوط بالترتيب طبقا للأهمية بالنسبة لى :


1- للأخطبوط ثلاث قلوب : هذه وحدها تكفى .. فقط أتمنى أن أمتلك ثلاث قلوب
أحتاج قلبا إضافيا .. بشدة
فأنا حاليا بلا قلب .. بالطبع لا أقصد ذلك الجهاز الأحمق الذى يضخ الدم فحسب كما درسناه فى مناهج التشريح .
أفخر بأننى أمتلك فلبا قويا تحمل الكثير من الأشياء نادرا ما يتحملها قلب آخر .. ولكن بتوالى الصدمات على جميع الأصعدة : العائلى .. الدينى .. الأصدقاء .. الحميمى .... إلخ ،كان لا بد وأن يطفح الكيل .
سأعطيك مثالا ليس له أى علاقة لما تعرضت له : هل تعتقد أن هناك قلبًا - مهما بلغت قوته - بإمكانه أن يتحمل أحداث مثل موت صديقة عزيزة وحبيبة .. ثم وفاة أم .. ثم فراق حبيبة أخرى لأسباب مختلفة عن الأولى .. فى سنوات متتالية ؟
لو كنت أمتلك ثلاث قلوب .. لو كنت أخطبوطا ...
فمرحبا بالمزيد من الصدمات !


2- للأخطبوط ثماني اذرع طويلة أو ما تسمى بالمجسات، كل ذراع أو مجس مجهز ب 240 شفاطة “فم لاصق” وعندما تنقبض العضلات التي تغطي الشفاطات تتكون فيها شفطة تجعلها تلتصق بالصخور أو بالضحية. ويستطيع الاخطبوط من خلال هذه الشفاطات التعرف إلى شكل الأشياء التي يلتقطها بها، كما يمكنه التعرف إلى طعمها، وتغطي الشفاطات كميات كبيرة من المستقبلات الحسية تفوق قدرة لسان الإنسان على الإحساس بطعم الأشياء من ناحية مرارتها وحموضتها أو حلاوتها بعشر مرات : تعتبر هذه ميزة مكملة للسابقة .. تخيل أنك تستطيع أن تحكم على الأمر بدون الخوض فيه .. فقط بلمسة
لمسة صغيرة .. وتعرف إن كان هذا أمر جيد فتخوض فيه .. أو سئ فتبتعد


3- ذكاء الأخطبوط محدود لكنه يعتبر الحيوان الأذكى فى عالم اللافقاريات : الذكاء نعمة عظيمة وشئ جميل لكنه فى كثير من الأحيان يكون مزعجا .. مزعجا جدا
لا يهمنى أن أكون أذكى من معشر القرود أو الحمير .. فقط أريد أن أكون أذكى من باقى أفراد عشيرتى (البنى آدمين)
هذه الرغبة فى حد ذاتها قد تكون الغباء بعينه .. لكن عذرا هذا خيالى وأنا حر فيه .


4- الأخطبوط من حيوانات القاع : وهذا يحقق رغبتى الدائمة فى البحث عن الهدوء وكذلك البعد عن الأنظار .


5- يتخيله الناس دائما وحشا عملاقا يغرق السفن : أريد ذلك أيضا بشدة ..
أريد أن ترتسخ فى أذهان الناس فكرة أننى كائن مخيف دون الحاجة إلى إلتهام ذراع طفل فى السابعة كدليل ....
فقط أفكار خاطئة فى ذهنهم تقنعهم بضرورة الابتعاد عنى .


6- يغير لونه للإنقضاض على فرائسه أو للهروب من الأعداء: نعم .. بعض النفاق قد يفيد
بل سيفيد كثيرا
معظم مشكلاتى مع المجتمع تكون بسبب لسانى السليط وعدم قدرتى على المجاملة أو النفاق ( ممكن أقول كلام زى الدبش لأىٍ كان )
النفاق سيجعلنى ودودا ومحبوبا أكثر من الناس .. مع ميزة الاحتفاظ بمشاعرى الحقيقية لذاتى .


8- للأخطبوط ثمانية أذرع : هل تتخيل ذلك ؟! ثمانية أذرع
أستطيع أن أقف بكل هدوء فى ممر الشقة ...
(مشعلا سيجارتى - أحمر بطاطس فى المطبخ - أسخن العيش فى الميكروويف -أشغل الكمبيوتر - أتكلم فى الموبايل - أعلق على الشاى - أشرب مية من التلاجة - وأهرش فى راسى )
كل ذلك معا !!


9- التكاثر بين ذكر الأخطبوط وأنثاه يجرى عن بعد دون إتصال بين جسديهما : وداعا للعناء !


10- وفى الأخير فهو حيوان غير مكلف .. لا يرتكب ذنوب .. ولو ارتكب فلن يحاسب .. وغير مهدد بالذهاب إلى الجحيم .

=====================

هناك فقط حقيقتان قد تقللان من رغبة البعض فى أن يصيروا أخطبوط (المفروض أقول جمع أخطبوط بس أنا مش عارفه )

الأولى أننى كنت سأولد يتيم الأب والأم : معروف أن ذكر الأخطبوط يموت مبكرا فور تلقيح البيض .. كذلك الأم تموت فورا بعد أن يفقس البيض .
كم أنا مسكين !

الثانية أننى كنت سأموت سريعا : فذكر الأخطبوط قصير العمر .. لا يعيش أكثر من ثلاث سنوات بأى حال .

بالنسبة لى .. أعتبر هاتين الحقيقتين شيئا مميزا :
فالحقيقة الأولى أعيشها الآن .. وقد إعتدت عليها .
والثانية تمنيتها كثيرا .. أن أموت وأنا فى الثالثة فقط .
وبالتالى فأنا لست من هؤلاء البعض !

=======================

أعلم أنى أطلب معجزة ..
لكننى فقط أريد العودة إلى سنوات الطفولة
فالآن فقط عرفت حيوانى المفضل .. الآن فقط يمكننى أن ألعب باستمتاع لعبة (طلعنا سوا)

آمل أن تتحقق أمنيتى بعد عدة سنوات .. فــ(طلعنا سوا) ستكون أول لعبة أعلمها لأطفالى وألعبها معهم .. أو بالأحرى يلعبونها هم معى ...
وفى الغالب ستكون حماتى هى من تتحكم فى اللعبة لسبب سبق ذكره بالأعلى بنفس اللون

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

تضاد

" لغتنا الجميلة "



متيّم أنا باللغة العربية .. على الرغم من أن تمكنّى منها مثير للشفقة لكنها تظل أبدًا أثرى لغات الأرض وأكثرها قربًا لنفسى .
للأسف أكره تلك المادة اللعينة التى كانوا يبثونها إياها بدعوى أنها " لغة عربية "
لم يحدث أن كان بينى وبين " مادة " اللغة العربية وفاق يومًا ما .

عندما بدأنا دراسة فرع البلاغة فى المرحلة الثانوية تضاعف كرهى ..
كنت قد أوشكت حتى على كره جميع ألوان الشعر وكل من ينطق به ..
كان يوجد العديد من الألفاظ ثقيلة النطق عسيرة الفهم .. والتى لا أجد مبررًا لإستخدامها أو عدم إستبدالها بتعبيرات أخرى أكثر رشاقة
عندك مثلا : كناية - إستعارة تصريحية - إستعارة مكنية - مجاز مرسل - تصريع
تخيل أن يسألك المدرس : ما الجمال فى الأبيات السابقة ؟
فتجيب بكل ثقة : الجمال فى التصريع !!
بالإضافة إلى ذلك كان هناك دائمًا المدرسون القادرون بكفاءة تامة على جعل حصة البلاغة أداة لتعذيب المتهربين من الضرائب .

==========================

أذكر أول حصة بلاغة .. وكان درس "التضاد"
بدأ مستر عاطف - والذى كان حازمًا بشأن التضاد - بتعبيرات حادة وكلمات قاطعة قائلا :
" أوعى تفكر! أول ما تلاقى كلمتين عكس بعض تقول تضاد يوضح المعنى ويقويه .. ومتنساش .. أووووعى تفكر ! "

مستر عاطف .. تبًا لك
تبًا لشاربك القزم وكرشك المتدلى ..
- لا أعلم لمَ قد يسمح مدرس " لغة عربية " لطلابه أن ينعتوه بـ " مستر "
- أؤمن أن من يحذرك من التفكير هو بلا شك يستحق الإعدام ضربًا بالجزم
- قد أتسامح فى عدة أشياء .. ليس من بينها أبدا أن يضللنى أحدهم بمعلومات خاطئة .. فهذا أكيّل له اللعنات .. وربما اللكمات إن رأيته
مستر عاطف .. إحذر .. لربما أضمك لقائمة رغباتى الشريرة يومًا ما !
مستر عاطف .. التضاد ليس دائمًا يوضح المعنى ويقويه .

==============================

التضاد أحد مآسى الحياة لديّ .. التضاد يغمر كل شئ

- أتخذ دائما قراريْن بمجرد إستيقاظى ..
الأول أن أغتسل .. أعدّ لنفسى كوبًا من النسكافيه .. وأتابع يومى بنشاط
والذى يتزامن مع القرار الثانى وهو العودة إلى الفراش مجددًا والإستيقاظ فيما بعد
أقضى يومى أدرس أى القرارين أنفذ .. ليضيع اليوم سدى .. كسابقه !

- أنتمى للهدوء وقد أقع مغشيّا عليّ إن بقيت بمكان مزدحم نسبيًا لبضع دقائق .. بينما لا أفوّت مباراة للأهلى فى الإستاد أو حفلة لمنير فى الأوبرا .

- أقف طويلا فى أى مقهى مضطربًا مترددًا .. هل أطلب قهوة ساخنة أو شويبس مثلجة ..
ولأننى لا أستطيع أن أقرر دائما ..
أتناول الإثنين .. قهوتى الساخنة تليها الشويبس
وتكون النتيجة الحتمية المتوقعة : قُرَح اللسان اللعينة

- بذكر المتناقضات يجب ذِكر إدجار آلان يو
شاعر أمريكى فذّ ..
كان يكتب أعذب قصائد الشعر الرومانسى فى نفس الوقت الذى يكتب فيه أبشع قصص الرعب وأكثرها ترويعًا ..
" إدجار آلان بو " مات فى الأربعين بعدما أدمن الكحول ..
وحتى الآن لا يعرف أحد سبب وفاته أو مكان قبره !
وإن كنت أشك - أنا - أنه إنتحر .

==============================


عزيزى مستر عاطف .. ولا أقولك .. من غير عزيزى :
التضاد يفنى أيامك
التضاد يصيبك بأمراض نفسية تحيل حياتك إلى جحيم
التضاد يصبك بقرح الفم
التضاد يجعلك تدمن الخمر .. وقد تتعفن بقبرك بعد أن تنتحر دون أن يزورك أخد ذويك يومًا ما
التضاد - ليس دائما - يوضح المعنى ويقويه
التضاد لا يوضح المعنى أو يقويه
!