الأحد، 12 يونيو 2011

مبتدأ ثان

عقدتُ العزم أخيرًا على إنشاء الموضوع منتصف الشهر الماضي ، عزمٌ لا رجعة فيه ..
تبقى فقط أن أختار عنوانًا ..
أول ما قفز فى ذهني كان اسمًا زياديّا صريحًا ((نسبةً إلى مرشدي الروحي زياد رحباني)) :
" هدوء نسبي "

كان الاسم ملائمًا تمامًا .. هدوء نسبي .. يلائمني ويلائم حياتي كذلك :
- هدوء تلم يلفّني في معظم الأوقات ، أعيش وحيدًا ، أتكلم فقط عند الحاجة / وحتى عندما أردت اقتناء حيوان ، اخترتُ اثنيْن لم أسمع لهما صوتًا حتى الآن :
سميرة (سلحفاة) ، و كريمة (سمكة) .
- لكنه نسبي ، من يرى ظاهره لا يعلم ما يدور بالداخل من أعاصير ، وما يتأجج من براكين .
هدوء نسبي .. اسم نموذجي ، ليس له تيديلاً .

ولأن من طباعي أحيانًا التريث الممل ، وأننى كسول كـ الكوالا ، فقد تمهلت قليلاً ..
ولم لا ، وقد كانت الأجواء هادئة .. نسبيًا .
ولكن وسط هذا الهدوء الخادع ، أطلق التاريخ دقته التي أيقظت ملايين المصريين .. فى الخامس والعشرين من يناير .
بدأت الثورة ، ولم يعد هناك أي هدوء ، ولو حتى نسبي .
عشتُ في الثورة أيامًا ، قُطعت خلالها الاتصالات وخدمات الإنترنت ،
ثم نُفيت ، أُجبرت على السفر قهرًا إلى الواحات البحرية ، وبالأمس عدتُ .

كالجميع ، غيّرت الثورة بداخلي أشياء عديدة ..
لكنها كذلك غيّرت عنوان الموضوع من "هدوء نسبي" إلــى
"لولا فسحة الأمل" ... وهو اسم طغرائيٌّ زياديٌّ صريح ..
(( نسبة إلى الطغرائي .. الشاعر الأصفهاني ، ومن بعده زياد رحباني ))



عن فسحة الأمل :
"لولا فسحة الأمل" هي إحدى مسرحيات زياد رحباني ، قدمها سنة 1994
والجملة أصلها شطر للطغرائي في قصيدته الشهيرة "لامية العجم" :
أعلل النفس بالآمال أرقبها == ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

ساعات قليلة مرت على بداية الثورة ، تبدل فيها الحال تمامًا ، وتغيرت رؤيتي لبلدي ، التي كنت أراها من خلال كلمات تميم البرغوثي :
يا مصر بطنك بتكذب == ولا حملك حق
إلى كلمات الطغرائي :
أعلل النفس بالآمال أرقبها == ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

بل ورأيت فيها بعيني ولادة الأمل من رحم معاناة الوطن ..
وها هو الأمل ينتظر قطع حبل الخلاص ..
ها قد انقطع بالفعل .


فاجأني زياد قبل عدة شهور بإسم ألبوم أمه السيدة فيروز : "إيه .. في أمل" ..
ولم يكتفِ بذلك ، بل خلّد أيضًا بصوت فيروز كلمات جبران خليل جبران :
" الأرض لكم . قدّسوا الحرية ؛ حتى لا يحكمكم طغاة الأرض "

ورغم أننى أثق فى زباد إلى أبعد مدى ، وأصدق كل ما يقول ، إلا أنه هذه المرة قد أثار شكوكي ..
أي أمل هذا ؟ ومن أين سيأتي ؟ وكيف ؟!
لم أتوقع أن الرد سيكون سريعًا هكذا ، وبمثل هذه القوة .
أعتذر منك زياد عن شكّي الأهوج ..

إيه زياد ، الأرض لنا ، إيه .. في أمل .


جاءت الثورة ، لتكون الأيام التى خضتها وشهدتها هي ما سأبدأ به .. غرّة الموضوع .



الجمعة، 10 يونيو 2011

مبتدأ أول

منذ أن دخلت عالم بلاطي السحري ، وأنا دائم التردد فى إنشاء موضوع خاص بي ، أسكب فيه هراءاتي ، وأطردها من ذهني ؛ لعلّي أتخلص من مؤلم المستمر في الروح .
الروح ، التي وإن لم تكن بهذا القدر من الشفافية والنقاء الذى تمنيته ، إلا أنها رقيقة هشّة بالقدر الذى لم أتمناه قط .
يشير إليّ بعض الأصدقاء بذلك ، ساقين عدة حوافز مثل : كى يراك الآخرون بشكل أعمق ، كى تحافظ عليها من الضياع ، وقد يشاركك الآخرون شطحاتك ..
ينتقل حماسهم إليّ أنا الآخر ، ثم أفيق لأرى أن كل ما يرونه محفزًا لي هو في واقع الأمر ينفرني أكثر . لمَ أثير غثيان عقلك ، وما الدافع وراء تلطيخ نقاء روحك ؟ ، وفي النهاية لن يقلل ذلك من شقائي الخاص شيئًا ..
تنطفئ جزوة الحماس الملفقة داخلي ..
يبقى فقط رمادها ، وصوت من الأعماق يأتي : اكتب !


احترم القراءة ، أحبها،وأقدّسها،وأمجّدها .
قرأت "عزازيل" ، وهي أفضل ما قرأت بالعربية ، تأثرت بها كثيرًا .. أعترف بذلك .
ولكن قبل أن تكون هناك عزازيل ، كان هناك دائمًا -ولا زال- ذلك الشيطان اللعين بداخلي ، يعيث فى النفس فسادًا .
ربما لديك أنت أيضًا شيطانك الخاص !
لا تنزعج .. لا أثير غضبك ، فقط إهدأ وفتّش بداخلك جيدًا .. ستجده لا محالة .
بمرور الوقت ، أكتشفُ أنني وشيطاني لسنا مختلفيْن إلى هذا الحد ، أجد أننا نكوّن معًا عملة واحدة ، وهل هناك عملة بوجه وحيد ؟!
احتمالٌ واردٌ وبقوة ، أن يكون اللعين فقط من نسج الخيال ، صنعته أنا - فقط - لأحمّله وزر ما أرتكبُ من خطايا ، ربما .
لكنه سواء كان حقيقيًا أو مصطنعًا ، فهو دائمًا موجود ، يصبّ الأفكار في ذهني ويفرّ ..
يتركني لأعاني وحدي تغلغاها ورحلتها المؤلمة من العقل إلى الروح ..
تؤرقني أيامًا ، ينحل جسدي وينقص وزني ، تصيبني الحمى ، أغيب عن الوعي أخيرًا ، وأفيق ، لأجده بجواري يقول : اكتب لتشفى !
أعترضُ ، أتمنّعُ ، أرفضُ ؛ فيكتب هو .


حسنًا ، دعني أخبرك شيئًا ..
في مرّة ،عندما أعدتُ قراءة ما سبق لم أفهم منه شيئًا ، ولم أدري إلى أي منتهى منطقي يقود ، لذا .. أرجوك لا تجاملني وتقول أنك فهمت شيئًا .
ولكن أتعلم ؟ إنها تلك العادة التي تلازمني أغلب الأحيان ..
عندما أريد قول شيئًا ما ، أرى أنه قد يكون صادمًا بعض الشئ ، أظل أدور حوله متفلسفًا بكلامٍ سفسطائي لا معنى له ، وأسوق تبريرات واهية لا تقنع أحدًا ، قبل أن أقولها صراحة :
" الكتابة فعل رجس من عمل الشيطان "


أكره الكتابة فعلاً ..
أقاطعها فترات طويلة ، وأتمنى أن نفترق إلى الأبد ..
أخفي الأوراق ، أكسر الأقلام ، أهجر قراءة الأخبار ، أشاهد أفلام الأطفال الكارتونية ..
ولكن أين أذهب بعقلي ؟!
تجثم الكلمات على صدري ، وتزدحم الطرق في رأسي ، وتختنق أنفاسي كمن يصّعّد في السماء ؛ فألفظ الأفكار أملاً في أن أتخلص منها وأستريح .

أخبرتك قبل قليل أن لديّ روح هشّة ضعيفة ، أخف النسائم تذروها وتحيلها هباءًا منثورًا ، فما بالك بأعتى الرياح ؟!
أكتب ، لأحافظ فقط على روحي لتبقى كما هى ، لتمكنّي من متابعة باقي حياتي في سلام ، إن كانت دروب تقويمها قد إنقطعت .

أمّا إذا كنت تفضل الرواية الأولى ، وأن الشيطان هو من يكتب ، فربما أصبح لديك الآن دليل مقنع على أن الشياطين ليست كلها أشرار.


14/2/2011