السبت، 24 سبتمبر 2011

زعتر

كانوا هناك .. في الطابق الثالث
عندما بدأت ذاكرتي في تسجيل الأحداث .. كانوا هناك
و للذاكرة عيب خطير .. فهي تُبقي أشياءًا و تسقط أخرى
لهذا اختفوا فجأة ..
فجأة ..لم يعودوا هناك


************
أول مذاق أذكره .. الزعتر
تصنع لنا "طنط سميرة" سندوتشات زعتر
هل كان الزعتر فقط .. لا أعلم .. ولا أذكر سوى الزعتر


************
طفلة في الرابعة .. تلعب مع طفلة في الحادية عشرة
لا أتذكر أي شيء عن ميّادة
لا أتذكر سوى التيشيرت الأسود المرسوم عليه غروب شمس برتقالية
تركته لي قبل مغادرتهم

************
تمر السنوات و اتساءل .. لماذا غادروا ؟
فتأتيني الإجابة
عادوا إلى وطنهم
و أين وطنهم
غزة .. فلسطين



************

لم تتوقف زيارات "عمو محمد" أو "أبو ميّادة" على مدار السنوات
حتى العاشرة ، كان بالنسبة لي "عمو" فارع الطول الذي يأتينا بالحلوى
أو يأتي بالشاي و البُن في أحيانٍ أخرى !
يبقى في مصر لفترة ، يزورنا مرتين أو ثلاث
ثم يعود ، دائمًا يعود



************

ربما لم أفهم ما تعنيه فلسطين أو القضية أو الاحتلال
ربما لم أفهم ما تعنيه الإنتفاضة
لا تحتاج لفهم كل هذه الكلمات عندما ترى طفل يحاول أبوه الذود عنه
يتوسل لحاملي البنادق أن لا تطلقوا نيرانكم
يبكي في وهن ، يحاول احتضان الفتى ، يرفع يديه في استسلام
لكن هيهات ، لا شيء يُجدي مع بشرٍ فقدوا ما يجعلهم بشرًا
يموت الولد ، العالم يدين الجريمة الشنعاء ، ثم تخفت الأصوات 
أما بالنسبة لي-تلميذة الصف الخامس- لم يمت الولد
بل بقى هناك ، في مكان ما من الذاكرة 



************

لم أكن أذكر قصة الزعتر حتى الخامسة عشرة !
و لم أتذكرها حتى أتى "عمو محمد" من غزة بكيس كبير ملئ بالزعتر !
كالمحمومة صنعت لنفسي "سندوتش زعتر" !!



************

لا أذكر ميّادة الطفلة
لكني أذكر ميّادة الشابة !
طالبة طب في الثانية و العشرين ، تشبه ماجدة الرومي عندما تبتسم
أقامت في مصر فترة من أجل التدرب في احدى المستشفيات
تحب الموسيقى ، تحب فيروز
تنام على صوتها أحيانًا ، و أحيانًا على صوت مروحية تحوم فوق منزلهم !



************

تذكرتهم و أنا أقرأ "الطنطورية" 
تذكرتهم و أنا أقرأ "رأيت رام الله"
أطيافهم تلاحقني ..
اتساءل إن كانوا بخير ..
فتأتيني الإجابة في اليوم التالي !
يقول أبي:
"تخيلوا مين كلمنى امبارح ، عمو محمد جارنا الفلسطيني ، أكيد نيّرة فاكراه ؟"
اهز رأسي في ذهول
"كلهم كويسين بس هو مش عارف ييجي مصر ، و مراته كلمت ماما"
"ميّادة كانت عايزة تكلمك ، بس انتي كنتي نايمة "
"اتجوزت و خلفت ، عندها طفلين دلوقتي"


ابتسمت..










الجمعة، 9 سبتمبر 2011

عالم أفضل


ليدي اليسرى قدرة عجيبة ..
فيكفي أن أمس بها الأرض برفق لتمتلئ قمحًا !


أما يدي اليمنى ..
فتنشر من حولي أغصان الزيتون


اضرب بقدماي الأرض .. فتتفجر أنهار و تسيل


 بسبابة يدي اليمنى ، ارسم افكاري على السماء
و من اليسرى ، تنبعث موسيقى مرئية تحيط بي .. تحيط بالوجود




في لحظات .. تتحول الأرض إلي جنة
أتلفت حولي كي أرى نظرات إمتنان .. سعادة
لكني لا أجد أحدًا
فالبشر قد انتهوا !