الخميس، 28 يوليو 2011

مشهد أخير : إلى الرفيق الأعلى

طرح فجأة أرضًا ، لا أعلم من أين أتى .
سالت الدماء من جسده ، تخضب تمامًا ، كما لو كان قد خُلق بجلدٍ أحمر قانٍ ..
صرت أجهل من أي الأماكن تحديدًا تتدفق الدماء .
ورغم أن الأصوات حولنا كانت تصمّ الآذان ، إلا أنها تلاشت جميعًا وأنحنت أمام أنّاته الضعيفة .

مِلتُ برأسي على وجهه ، وضعتُ يدي على صدره ، وأذني أمام فمه ..
لا أعلم لماذا ، لكنى شعرت أنني بحاجة إلى الاقتراب منه إلى أقرب درجة ..
كان يردد في وهن : هموت .. هموت
قال قلبي : نعم ستموت ، وجهر لساني : لا ، لن تموت .

كان قد أمسك بساقه ، التي صارت ساقيْن ؛ فأخذت عصا كانت ملقاة بجانبي .. كانت تقطر دمًا هي الأخرى ، ضُرب بها أحدهم بالتأكيد ، ربطتُ بها ساقه .
شممت رائحة الموت تسري في الأجواء ..
نعم ، الرائحة التي لا تخطئها أنفي ..
كانت تملأ البيت هنا يوم ذهب أبي ، وتسكنه يوم رحلت أمي ..
وها هي في الشارع ، حيث مئات الآلاف من أنبل المصريين وأكثرهم شرفًا وبراءة ؛ فمن ستأخذ ومن ستذر ؟!

قال : هموت .
قلت : اثبت ، لن تموت .
قال : لا أشعر بجسدي ، أطرافي تلاشت ، وقلبي فرّ من مكانه ؛ سأموت لا محالة .
أمسكتُ بيديه ، كانتا متجمدتين بالفعل ..
نظرتُ في عينيه الزائغة ، بدت كأنها تدور خائفة تبحث عن ملاذٍ آمن داخل محاجرها ..
قلت : استجمع قواك ، ستنجو ، فقط قل : لا إله إلا الله
لم يجبني ، رأيت روحه تخرج من جسده المسجي بين يدي ، ثم عادت إليه مرة أخرى ، كأنما تذكرَتْ شيئًا ..
فضحك ، ضحك كثيرًا ..
وضع يديه على جانبيّ رأسي وقال هامسًا : ما أنقى روحك ، تخبرنى أننى لن أموت ، وتلقنّي الشهادة في الوقت نفسه !
وضحك مرة أخرى ؛ فانهرتُ تمامًا وأجهشت بالبكاء ..
نطق الشهادتين ، أغمض عينيه ، ابتسم ، وارتقى إلى الرفيق الأعلى ..
صرخ بجواري أحدهم : مات ؟
قلتُ في هيستيرية : بل هو حيًّ عند ربه يُرزَق .. حيًّ عند ربه يُرزَق



والآن ، أغمض عيني وأرفع رأسي ؛ فأسمع أجنحة ملائكة ترفرف ، وأسمعها ترتل :
" لَيُدْخِلَنَّهُم مُدْخَلاَ يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ "


وأراه ينظر لي من السماء ، ومن خلفه زخرفات لجملة مرّت أمام عيني يومًا :
" الموتى لا يغادرون عالمنا ، حتى لو حملتهم سيارات الإسعاف ، وحتى لو رقدوا في المشرحة بين جثث الغرباء "


وأراه يبتسم ؛ فأبتسم .

الثلاثاء، 12 يوليو 2011

مشهد 6 : حيّ على الصلاة

الجمعة 28 يناير 2011

نزلت يومها بعد صلاة الجمعة مباشرةً ، لم أستطع الوصول إلى ميدان التحرير، كنت قد بدأت السير على قدميمن المنيل ، وتعذر التقدم أبعد من شارع القصر العيني .حان وقت صلاة العصر.وفي الزحام، كان الثوار يصلون في جماعات متفرقة .صاح من كان أمامي ليقيم الصلاة . اصطف الجميع ،فكنت فى الصف الثاني بعد الإمام .ما إن أطلق الإمام تكبيرة البدأ ، حتى ظهر فجأة جماعة مما لا يقل عن مائتي شخص ، يتقدمون نحونا . ورغم أنني أخشع دائمًا في صلاتي بشكل مقبول ، إلا أنني -لا أخفيك سرًا- كنت أرتجف رعبًا ، أكاد أسمع صوت اصطكاك ركبتي ، وأعتقد أن الجميع سمعهما ؛فأنا لا أعرف من هم ، وماذا قد يفعلون .. ثم إنهم لماذا لا يصلون كالجميع ؟!أيقنت بضياع الصلاة بعد أن تشتت عقلي في مناحٍ عديدة .وفي الركوع الأول ، قال أحدهم بصوتٍ عالٍ :"إحنا إخواتكم المسيحيين،هنحوّط حواليكم لحد ما تخلصوا صلاة ، صلوا في أمان .. "ثم أخذوا بتحلقون حولنا بأيدي متشابكة .

كانت أخشع صلاة أديتها في حياتي ،إحم، إذا ما استثنينا الركعة الأولى .. و والله ، لم أتمن الموت أبدًا مثلما تمنيته في سجود هذا العصر .

الاثنين، 11 يوليو 2011

مشهد 5

بعد معركة الغاز السابقة ، أخذني بعض الرفاق إلى شارع جانبي ، ومنه إلى مدخل أحد البيوت .
كانوا يلقنونني عدة تعليمات وأوامر لم أسمع منها شيئًا ، وبالتأكيد ، لم أنفّذ منها حرفًا .
عندما فتحت عيني ، رأيتها تأتي نحوي مهرولة ؛ سيدة في الخمسينات من عمرها ، لن تجد أفضل منها تستعين به ، إذا أردت وصف كلمة (الفقر) ..
جلست أمامي وبجوارها صندوق مياة غازية ، فتحت إحدى الزجاجات وبدأت تغسل بها وجهي ، ثم أخرجت من مكان ما بعباءتها منديلاً مبللاً بالخل ، مسحت به وجهي .
بدأت أستعيد حالتي الطبيعية ، نظرت لها ، كانت في لهفة حقيقية ، لا تكلُّف فيها ، فابتسمتُ لها ، وقلتُ مداعبًا : إنتى جيتي منين ؟
قالت : أنا بشتغل هنا ، الكشك اللى هناك دة بتاعي ، ببيع فيه حلويات وبيبس وسجاير ..
تنهدت،وقالت وهي تضحك : عارف يا بني .. ببيع البيبس دة من أكتر من 25 سنة ، وآخر مرة شربته كانت لما بنتي خلّفت ، ابنها دلوقتي في الإعدادية ،
مكنتش برضى أفتح ليا إزازة ، وأقول خليها أبيعها أكسب فيها أى حاجة أحسن ..
يقوم يجي اليوم اللي أغسل فيه وش الناس بالبيبس .
ضحكتُ أنا الآخر ، وقلبي بالداخل يبكي ، وقلتُ لها : بكرة هنشرب كلنا شربات يا أمي .
لمعت قطرات رقراقة بعينيها ، قبَّلت رأسي ، وقالت في حنوٍ بصوت لم يخلُ من شوْق وتوْق : ربنا يحميكوا يا ابني .
قبَّلتُ رأسها ، وذهبت ُ .

4 مشهد

لا أدري كيف صرتُ فجأة في الصفوف الأولى ..
كانت عناصر الشرطة في أوج غضبها ، ولا أدري أيضًا لماذا ؛ فلم يرتكب أيٌ من المتظاهرين أي جُرم .
كانت الرصاصات تمر من فوق رأسي بأقل من متر ، وتسقط فوارغها أمامي .
ثم سقطت إحدى القنابل المسيّلة للدموع بين قدمي ، أمسكت بها ، لا أدري ماذا أفعل بها ..
هل أردّها عليهم ؟! لكنهم مصريون مثلي ، قد يكونوا مُجبرين على تنفيذ الأوامر ولا ذنب لهم ..
حسنًا ، سأرميها بعيدًا على أحد الجوانب الخالية فلا يتأذّى أحد ، ولكن أين هو ذلك الجانب الخالي ؟ ، فـ على مدى البصر ، لا أرى سوى رؤوس المتظاهرين ..
إذن ، ما العمل ؟
كانت القنبلة قد أوشكت على الإنتهاء من إفراغ ما بها من غاز إلى عيني وأنفي ، لم أعد أرى شيئًا ، وتملكّني الدوار ..
فأخذها أحدهم من يدي ، ورماها بإتجاه قوات الشرطة بعيدًا ، وهو يقول في حسم وحزم ، وكأنه قرأ ما كان يدور في رأسي : تحب تموّت نفسك ، ولا يموتوا همّا ؟!

الثلاثاء، 5 يوليو 2011

مشاهد

مشهد 1

أصيب في رأسه ، لم يضربه أحد العساكر ، ولم يحاول أحد الاعتداء عليه .
ولكنه ، عندما فاض الكيل ببعض الثوار بسبب تعنت عناصر الأمن المركزي وعنفهم غير المبرر ، بدأوا يقذفونهم بالحجارة ...
وكان هو يحمي العساكر !
كان يصرخ فى الثوار مذكِّرًا : سلمية .. سلمية .
وبعدما حاول بعض الرفاق تمريضه وتضميد جروحه ، أخذه العساكر ، الذين أصيب في سبيل حمايتهم ، إلى سيارات الأمن المركزي ، واختفى .

**********

مشهد 2 :

كان أحدهم مُلقى على الأرض ، مصاب برضوض في رأسه وجروح في جسمه ، ولا يستطيع حتى النهوض .
جريت ناحيته ، وقلت : في عربية إسعاف هناك أهي ، يللا نشيله نوديه بسرعة ..
صاح : لا ... اللى خبطتني كانت عربية إسعاف ، ولو ودوتنى ، هيسلموني للشرطة ، وإنتو معايا !

**********

مشهد 3:

مرقت سيارة إسعاف أخرى بيننا ، غير مبالية بالمصابين ، لا تنتظر أحدًا ، ولو كان أحدٌ قد وقف أمامها ؛ لأكلته .
ذهبت - السيارة- إلى صفوف الأمن ، اعتقدتُ أنها ستحمل أحد المصابين من العساكر ..
لكنها كانت تنقل لهم الذخيرة والقنابل المسيّلة للدموع .

بدء النزول

بدأت النزول يوم الأربعاء 26 يناير سنة 2011 ، وحتى الجمعة ، جمعة الغضب ، اليوم المشهود .
شهدتُ اليوم بعيني ، أجلّ ما مرّ عليّ من أيام .
رغم إمتلاء اليوم بالذل ومهانة المصري بيد مصري ، وقتل بعضُنا لبعضِنا ..
رغم إمتلاء اليوم بالطعنات والخناجر المسمومة التي أدت قلبي ..
رغم الشوكة التي زُرعت في نفسي ، ولن تُجتث ..
رغم الغصّة التي ستظل في حلقي إلى الأبد ، ومرارتها التي ستظل تتعتق في فمي إلى أن ألقى وجه العدل المنتقم ..
فإنه سيبقى أعظم يوم شهدته في حياتي ..
سأظل أتذكره ، وأخلّده ، وأحكي لأولادي وأحفادي وكل نسلي من بعدي ، كيف وهبهم الأولون حريتهم .

لن أخوض في تفاصيل الأيام كاملة ، فأنت قد قرأت وسمعت عنها الكثير ، وربما تكون قد رأيت بنفسك ..
كذلك ، لا أتوقع أن تستعيد ذاكرتي كل هذه الأحداث والتفاصيل دون أن تتمزق ، وتعرّي من نُحت تحتها من شروخ وأخاديد حُفرت ، ولن تُردم أبدًا .
فقط ، سأحكي عن بعض المشاهد التي رأيتها بعيني وكنت أحد أطرافها ، خلال تلك الأيام .
وأغلبها - إن لم تكن جلّها - مشاهد ربما تكون صعبة بعد الشئ..
فإن كنت من هؤلاء الذين يفضلون إغماض أعينهم على رؤية الألم ، فأرجوك ، توقف عند هذا الحدّ .

الجمعة، 1 يوليو 2011

الشظية

لم أنزل يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 !
نعم ، تخلفتُ عن أول أيام الثورة .. ثورة الحرية والكرامة .
لم أنزل ؛ ليس لأنني كنت مسافرًا ، أو لأنني لم أعلم بوجود ثورة ،
ولكننى لم أنزل لأسباب أخرى ...

==========

عشتُ ما مرّ من عمري مولعًا بالتاريخ ، أقرأ عن نضال الشعوب في سبيل الظفر بحريتهم ، أو لطرد مستعمِر أجنبي ، أو .. أو ..
قرأت عن الثورة البلشفية ، وعشتُ الثورة الفرنسية ، كنت زنجيًا بجانب مالكوم إكس ، هِمتُ بالثورة الجزائرية ..
وكذلك الثورات المصرية : العرابية ، ثورة 1919 ، وأخيرًا ثورة يوليو .

تاريخ .. تاريخ جميل ، وشعوب عظيمة كافحت حتى نالت حريتها بيدها ، ولم تتسولها .
تساءلت كثيرًا : لمَ انتهى عصر هذه الثورات ؟ لماذا لا تثور الشعوب ؟
هل هم راضون عن حياتهم إلى هذا المدى .. أم إنهم إرتضوا بها ؟!
كانت الإجابة الوحيدة : الثورات تاريخ .. تاريخ عظيم ، كُتب قديمًا لنقرأه ، نقرأه فقط .

تمنيتُ كثيرًا لو كنتُ في إحدى هذه الثورات التي قرأتُ عنها ، لو تذوقتُ ذلك الاحساس الذي طالما شعرتُ به وأنا أقرأ ، على أرض الواقع .
ظل حلمًا ، ليس بعيد المنال فحسب ، بل من المحال أن يتحقق ؛ فإرادة الشعب قد ولّت ، وزال ثمن الثورات ، نسى الناس صوتهم وأنهم ما زلوا أحياء ،
وعلينا أن نمضي أجلنا بإنتظار معجزة من السماء ..
بإنتظار جنود الله ... تخلصنا من عبيده !

كانت أمنية عصيّة ، واحدة من تلك الأمنيات التي تتمناها عندما ترى شهابًا يدلف في السماء ، وما إن توليه ظهرك ، حتى يُخرج لك الشهاب لسانه مستهزءًا ، وربما قال لك : هع .. إبقى قابلني !

جاء الحلم ، وبدأت الثورة ... ولم أنزل ؛
لأنها بالتأكيد مزحة سخيفة ؛ فزمن الثورات - كما تعلم – قد ولّى ..
وأنا أنتظر معجزة من السماء ..
أنتظر جنود الله ..

(( أو هكذا إعتقدتُ))

***

كمعظم الشباب ، تلقيتُ دعوة النزول لمظاهرة سلمية من خلال الفيس بوك .
علمتُ بكل التفاصيل ، موعد المظاهرة ، وأماكنها ؛ فضحكت ، وقلتُ كما قال لك الشهاب قبل قليل : مظاهرة ؟ هع .. إبقى قابلني !
ولأنني أكره لعب دور مُثبِّط الهِمم ، تحاشيت الحديث مع أحدٍ في الأمر ، وتركت من انتوى المشاركة يشارك ، وهم على كل حال لن يتخطوا المئات ، وسأجلس أنا مع الجموع الغفيرة أتابعهم من المنزل .

جاء الحلم ، وبدأت الثورة ... ولم أنزل ؛
لأننى يائس ، لم أثق يومًا بإرادة المصريين حتى بات إيماني أن لا شئ - سوى صور إسرافيل – بإمكانه إيقاظهم من سباتهم العميق ، فهل مجرد دعوة على الفيس بوك ستكون هذا البوق ؟!
محال !

(( أو هكذا إعتقدتُ ))

***

على مدى الماضي القريب ، تابعتُ عدة أحداث مثل هذه تتم ، وتبوء جميعها بالفشل ؛ إما لأن أحد لم يلبّي الدعوة ، أو لأن أحد لا يستجيب .
تابعتُ إعتصام عدة نقابات ، ومظاهرات المحلة ، والعديد من الوقفات الاحتجاجية ، والمسيرات السلمية ، وما لا يحصى من الوقفات الصامتة ؛ ولم يحرك أحدٌ ساكنًا ، وكأنها كانت فى دولة أخرى ،
بل وأعتقد أن السادة المسئولين قد خرّوا على قفاهم ضاحكين ، ومن الأخيرة بالذات (وقفة صامتة ! )

جاء الحلم ، وبدأت الثورة ... ولم أنزل ؛
لأنني متشائم ..
فقل لي أنت بالله عليك .. لم أتكبّد هذا العناء ، ما دام سيضيع في النهاية هباءًا ؟!

(( أو هكذا إعتقدتُ ))

***

ليس لديّ - نسبيًا – همّ شخصي أعاني منه ..
لا أعاني ضائقة مالية ، لا أريد علاجًا على نفقة الدولة ، لا أقف ساعات فى طوابير الخبز ، لم يقتل مخبرون أخى ثم ينعتونه " شهيد البانجو " !
بالإضافة إلى إنى طالب فى أفضل كلية .. كلية الطب .. في غضون سنوات قليلة سأنهي دراستي وأصير طبيبًا ، وربما طبيبًا ماهرًا ، لم لا ؟!
سيكون لي مركز إجتماعي مرموق ، مهنة شريفة ، منزل هادئ ، زوجة حنون وأبناء طيّبون ، وثروة (فلمَ الثورة؟!) .
لماذا أنزل وأُقتَل ، أو يتم اعتقالي ، وأضيع بذلك هذا الحلم الوردي الجميل ؟!

جاء الحلم ، وبدأت الثورة .. ولم أنزل ؛
لأنني كنت جبانًا !

(( أو هكذا إعتقدتُ ))

==========

لم أنزل يوم الثلاثاء ، لكنني نزلت الأربعاء والخميس والجمعة .
ما رأيته يوم الثلاثاء حطّم يأسي وتشاؤمي وجُبني .

- لم تكن مزحة سخيفة ، بل كانت ثورة .. ثورة حقيقية ، كتلك التي طالما قرأتُ عنها . لم أكن لأفوّت فرصة المشاركة في الثورة .. حلمي القديم ، وأملي الحاضر ، والسبيل الوحيد لغدٍ أفضل .
لم أكن لأفوّتها ، وأجلس لأتابعها في التلفاز ..
أردتُ كتابة ثورة ، وليس مجرد قراءتها ...
لذا نزلت .

- لأننا خير أجناد الأرض ..
لأننا - نحن - المعجزة ..
لأننا - نحن - جنود الله ، إذا أخلصنا النِيّة ..
لأن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم ...
لذا نزلت .

- استيقظ المصريون واستفاقوا .. نزل مئات الآلاف يطالبون بحقوقهم ، وبدا شعاع الأمل يلوح في الأفق ...
لذا نزلت .

- نزلتُ ؛ لأنني لم أخش شيئًا ، الحلم الوردي كان باطنه أسود اللون والمصير . من يريدون الخبز و العلاج هم أهلي ، وشهيد الطوارئ أخي ، من أخدع ؟!
وأي حياة أخاف عليها ؟! فليقتلوني إذن إن أرادوا ..
للحرية ثمن ليس ببخس ، وللجنة ثمن نفيس ...
لذا نزلت .

***

نزلت ..
كنت قاب مترين أو أدنى من الموت ، مرّ الرصاص من أمام عيني ومن فوق رأسي ، سقطت قنبلة تحت قدمي ، زُهقت روحٌ بين يدي ..
نزلت ..
صرخت معهم : الشعب يريد إسقاط النظام ..
وطفر الدمع من عينى لهيبًا وأنا أهتف : حـــــريـــــة .. حـــــريـــــة .

============

سؤال محيّر :

ترى أيهم أنا ؟
محمود الذي منعه الخوف من النزول أول أيام الثورة ..
أم محمود الذي نزل بقية الأيام يبحث عن الموت ، والموت يهرب منه ؟!

***

سؤال قاسي :

لماذا لم يدركني الموت ؟
يا ويلتي .. أأنا موغل في النأى إلى هذا الحد عن منزلة الشهداء ؟!