الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

فيرجينيا



دعنى أبدأ بالجملة التى اختمرت فى ذهنى كبداية ، وبعدها اكتشفت أننى قد استخدمتها من قبل أمام مئات الأفعال .
سأجد صعوبة فى إقناعك أن ذلك (الفعل) هو أكثر شئ أكرهه إن كنت قد رأيتنى من قبل أقسم بكل محرجة من الأيْمان أن أشياء أخرى هى " أكثر شئ أكرهه " ..
لذا ، أتمنى منك أن تتغاضى عن ذلك ..
فأنت تعلم عندما يحاول أحدهم كتابة شئ ما ولا يجد ما يستهل به حديثه ، وتعرف بالطبع - كذلك – عندما تلتصق برأسه جملة ما ، يراها - وحده – الأنسب ، وقتها ، قد يتنازل عن جلده فى مقابل هذه الجملة .

=======


أكثر شئ أكرهه هى تلك اللحظات التى يغمر فيها اللون البمبى الحياة ..

عندما تتسامح مع نفسك وتتصالح مع ذاتك ولو لدقائق قليلة ، لكنها تكفى لكى ترى أبشع ما فى الكون أبدعه ..
تلك هى الدقائق التى أكرهها أكثر من حسام البدرى نفسه .
لسبب مبهم ، لم أعرفه قط ، تضعنى دائمًا فى تلك الخانة مع هؤلاء الذين " بيحبوا على نفسهم " ..
لذا أفرّ من هذه الحالة فرار الطفل من كلب مسعور ..
يوم سئ بالفعل ، ذلك الذى تتخلله بعضٌ من هذه الدقائق .


فى مثل هذه الأيام ، أستيقظ – على عكس العادة تمامًا – نشيطًا مبتسمًا بعد حلم جميل ، أحاول جاهدًا أن أتذكر منه أية تفصيلة بلا جدوى ، ولكنه بالتأكيد كان جميلاً ، فأنا سعيد !


أدير جهاز الكمبيوتر بينما أغسل أسنانى بمعجون النعناع الذى أمقته بشدة ، لكن ليس الآن ؛ اليوم أحب كل شئ ، والنعناع معجونى المفضل ..


أعود لجهازى وأضع بالقائمة ثلاثة أغنيات فقط بالترتيب :

- هزينى بسحرك من جوة .. دة أنا قلبى لا حول ولا قوة .. ضد التيار
- تليها : ندهنى حبيبى جيت بلا سؤال .. من نومى سرقنى من راحة البال
- وأخيرًا : تعى نقعد بالفية .. مش لحدا هالفية .. حبينى وفكرى شوية


لا أمشط شعرى ، يبدو أفضل وهو فوضوى من دون تمشيط ..

أحتسى قهوتى بهدوء مبالغ فيه ..
ثم أرتدى ملابسى فى عجل ؛ فبالتأكيد لا أود أن أتأخر على حبيبتى ، والتى لا أعرفها ، ولكنها ستكون أول فتاة تقع عليها عينى ، ولو كانت أنثى فرس النهر !


عطرى المفضل .. أتكفى ربع الزجاجة ؟!

كلا ، سأكتفى بالقليل فقط ، ربما كانت تعانى نوعًا ما من الحساسية فأزيد بذلك من توترها ، كما أننى أريد أن أترك المجال لعطرها – هى - أن يتسيّد الكون ، فلربما يكون هو آخر ما أتذكره منها غدًا !
وهذا إن كانت ممن يتعطرن .. فأنا بالطبع لا أعرف !


فيرجينيا الآن بانتظارى ، هكذا أسميتها ؛ فأنا لا أراها أبدًا إلا " فيرجينيا جميلة الجميلات " ..

ويبقى السؤال : من ستكون فيرجينيا هذا اليوم الوردى اللعين ؟
آنسة سُمية مالكة محل الخردوات ؟ لا .. فقد عشقتها مرتين الأسبوع الماضى !
مدام نادية من الصيدلية ؟ مدام ؟! كلا ، لا أضع مفتاحًا فى سيارة مستعملة .
إذن .. لنرتجل .

=======


أستقل الميكروباص إلى المترو ومنه إلى الكلية ، واثقًا من أنها ستظهر إن لم يكن عاجلاً فآجلاً ..

وضعت الهاند فرى فى أذنى ، فاخترقنى صوت زياد رحبانى من مسرحية " بالنسبة لبكرة شو " قائلاً : "" ابنك حمااار يا ثُريا "" ..
تذكرت على الفور ، فأخرجت ملزمة الـ
Histopathology
أطالع منها ما تيسر ؛ كى لا أبدو حمارًا أمام الجميع ، وفى الوقت نفسه أتلذذ بممارسة عادتى الدائمة بمناورة الفضوليين وإخفاء ما أقرأ عن أعينهم !

مرت دقائق ، وكان الميكروباص قد خلا إلا منّى وسيدة عجوز تجلس فى الأمام ، وبينما يسود الصمت المكان ، إذ ، .. .. ..


=
هذا بالطبع ليس فيلمًا سينمائيًا ، لكننى أثق فى مخيلتك ، - لطفًا - اضغط الآن على زر الـ
slow motion
=




أريد أولاً أن أوضح لك حقيقة فلكية : لا تذهب النجوم نهارًا إلى مضاجعها بعد ليل طويل أنهكها خلاله نظرات المتصوفين والعاشقين ، بل تبقى فى مكانها ولكن سطوع الشمس يطغى على لمعانها ، فلا نراها .. وحده من رأى فيرجينيا فى ذلك اليوم تقف على بعد عدة أمتار من الميكروباص يدرك هذه الحقيقة !


كانت تقف هناك تتعارك مع الشمس التى لم تجد لها لذّة إلا فى مغازلة وجه فيرجينيا ، فيرجينيا وحدها ..


دعيها عزيزتى تتزود منك فهى – مثلى – مغلوبة على أمرها ، لا تلقِ لها بالاً ؛ فأنا من الآن منشغل بوضع الخطة لصرعها ، وصنع شمسًا جديدة لنا ، يبنى الناس أماكنهم تحتها ، وينظرون إلينا من القاع .


لا أحد يعرف فى طبائع الأشجار مثلى ، هذه هى الفرع الأسطورى الذى لا جذر له ، الفرع الذى سأبنى به حديقتى سحيقة القرار ، ذات السطح المزهر كما القاع مزهر ، فقط ورود بيضاء .



أشارت للسائق أن يتوقف ، فسمع وأطاع ، ومن ذا الذى يجرؤ على مخالفة أمر من فيرجينيا ؟!

وعل كل حال ، لو لم يفعل لنحرتُ - أنا - عنقه فى الحال !


صعدت فيرجينيا وهى تتملك من عقلى ، وقد احتلت منه كل مساحات الوعى ، وطردت كل ما كان يشغله قبلها ، فلا أرى الآن سواها .


وحتى الآن ، كان بإمكانها إسدال الستار على كل شئ ، كان بإمكانها أن تجلس بأى مقعد من تلك الخالية أو حتى بجوار العجوز ، ولكنها فى هذه الأثناء كانت تستخدم سلاح أعتى المجرمين ، الأكثر تدميرًا ، والمحرم دوليًا : النظرة العميقة ..



أتعلم ؟ هناك نظرة ما تسوقك إلى فقدان الذاكرة ، إن لم تكن تؤمن بهذه الحقيقة العلمية من قبل ، فلتفعل الآن وتترك إلحادك !



صوبت سلاحها نحوى ؛ فتجمدت ، و لم تكتفِ بذلك ، بل تركت كل المقاعد وجلست بجوارى ؛ لتفضّ - كقائد أوركسترا محنّك – نغمات قلبى الرتيبة ، وتقوده إلى عزف أعظم سيمفونية من النبض العشوائى .



هكذا ، جلست الجميلة بجوارى ، يتسلل عطرها الهادئ فى جميع أركان المكان ، تسير جزيئاته وهى تلعن حجمها الذرى وقوانين الفيزياء التى أجبرتها على مغادرة جسد فيرجينيا والهبوط على أنفى ، فأنتقل - بها - إلى حيّز مكانى آخر لا يوجد فيه سواىّ وفيرجينيا ، وأقل مسافة خالية بيننا هى ألد أعدائى .



أفقت عندما رأيتها تمد يدها فى حقيبتها وتخرجها بيضاء من غير سوء ، رأيت أزهارًا فضية ، ونجومًا ملونة ، وأنهارًا من الحليب ، وثلاث سمكات تضحك ، وآمنت أنها ستضع الآن يدها على صدرى لتشفى سقمًا فى الروح ؛ فمن غيرها قادر على الإتيان بالمعجزات فى هذا الزمان ؟!


ولكنها سريعًا أقنعتنى أنها فقط تريد أن تدفع أجرة الميكروباص لها ولصديقتها ، تلك التى لم اكتشف وجودها إلا الآن .



>> فيرجينيا شخصية قيادية ، لديها حس المبادرة ، وكرم طائى ! <<


وماذا بعد ؟ يمر الوقت كالريح .. نجلس صامتيْن ، لا أحادثها ، لا حوار بيننا بعد "اتفضلى الباقى " ، لا أدرى كيف أقنعها أنها هى فيرجينيا التى بدأ بها يومى وخرجت سعيًا وراءها ، كيف .. .. ..


وتنزل العطايا من السماء ، عندما لا تتوقع ذلك .


- الجو حر أوى النهاردة ، من فضلك معاك كلينكس ؟

يا الله ! كيف غابت عن عقلى تلك الحيلة حجرية المنشأ لكسر جبال الجليد ؟!

- آه فعلاً ، اتفضلى .

وبعد أن جادت على المنديل بحبات العرق من جبينها ، وجدتها تنظر طويلاً إلى ورق الـ

Histopathology
، فاعتزلت – ولو مؤقتًا – عادتى وتركتها تقرأ بهدوء ، متظاهرُا بعدم الإهتمام ، إلى أن :

- هيسـ ... ، هسـ ... ، هسيـ ...

- هيستوباثولوجى

مسرعًا قلت ؛ كى لا يزداد حرجها


>> فيرجينيا لديها مشكلة صغيرة مع اللغة الإنجليزية ، وماذا إذن ؟ فلتذهب الإنجليزية إلى الجحيم ! فهى من خسرتها !! <<



- ويعنى إيه دى بقة ؟

- ...... .. .. . .. . .. ... .. (وبعد شرح مطوّل)


- طب وأنت فى كلية إيه ؟



>> فيرجينيا ليست غبية !! هى فقط تحب التأكد من كل شئ <<



- طب عين شمس .

- ممم .. وإسمك ... ؟

-
محمود

- أومال إيه زيزو اللى على الورق دى ؟



>> ألم أقل لك سحقًا للإنجليزية ؟! ها هى عزيزتى تقرأ العربية بطلاقة ! <<



- محمود عزيز

- - أهااا .. ممم .. طب مش تسألنى أنا كمان عن إسمى ولا إيه ؟!


أيمكن أن يكون غير فيرجينيا ؟!


- أوك ، إسمك إيه ؟

- حزر ، بيبدأ بحرف النون


>> فيرجينيا ذات الروح النقية ، تملك قلب طفلة ماكرة ، وتحب الأحاجى ! <<


أجبتها مداعبًا :


- نبويّة ؟!

- إيه ؟!! إخس عليك !


جرحتها ، أليس كذلك ؟! تبًا لى ، ولتذهب دعاباتى السخيفة - مع الإنجليزية - إلى الجحيم !


- بهزر بس

- إسمى نسرين

- ممم .. إسم جميل ، تعرفى معناه ؟

- آه ، يعنى 2 نسر .


>> طفلة كما ترى ، تحب البساطة ، وربما التواضع .. لكنها بالتأكيد ليست بلهاء ! <<


- هو فى الحقيقة إسمك أجمل من كدة بكتير ، فى ناس بيقولوا إنه ورد أبيض ريحته حلوة ، وفى الناس بتقول إنه يعنى النور الساطع ، وأنا من النهاردة مصدق إن الإتنين صح ..

- بجد ؟ دة طلع معناه حلو أوى

-




يبدو أنها لم تفهم مغازلتى ، أعترف أنها كانت صعبة بعض الشئ !

فسادت بعدها فترة من السكون ، كسرت هى – كالعادة – حدتها بأن صرخت فى إنفعال :


- شوفت اللى عملوه الهيترز فينا ؟

- أفندم ؟!

- الهييترز !!

- سخانات يعنى ؟!

- لأ سخانات إيه ؟! الهيترز .. اللى هما Tamer Hosny Haters ؟!

- مش فاهم الحقيقة ..!

- احتلوا البيدج بتاعتنا على الفيس ، وبقوا يشتموا تيمو ، وشالوا صوره وحطو بدالها صور عمرو دياب !!

- ثانية واحدة .. اللى عمل فيكو كدة الهيترز .. صح ؟

- أيوة

- طب .. إنتوا مين بقة ؟

- أكبر بيدج ع الفيس .. Tamer Hosny Lovers


>> لا تتسرع فى الحكم أرجوك ، نسرين (فيرجينيا - سابقًا ) ليست مُسِفّة ، هى فقط لم تجد من يقوِّم أذنها ، لم تجد من يقنعها أن تيمو لا يصلح للطرب العربى ، وإنما يصلح فقط كمغنى للـ .. خواجات ، وأنا سأغير عاداتها <<



- أومال أنت كنت بتسمع مين ؟ كنت شايفاك حاطط الهاند فرى قبل ما أطلع .. أوعى تكون .. ؟


تيمو .. هيترز .. لوفيرز .. عمرو دياب .. زياد رحبانى ؟!!!


- لا أبدًا ، كنت سادد بيها ودانى بس عشان بيبقى عندى صداع الصبح !


فترة سادت فيها صدمة صغيرة غير مقلقة مع صمت ، والآن أنت تعرف من أنهاها :



- مقولتليش بقة .. إيه أكتر حاجة بتضحكك ؟


>> نسرين منجذبة إلىّ ! ، هل كانت تحلم هى الأخرى بـ " ريتشارد قلب الأسد " ؟! تريد منى الآن أن أفشى لها بعض أسرارى الشخصية الصغيرة <<


- يعنى .. عادى .. حاجات كتير ، يمكن اللى حاضر فى ذهنى دلوقتى مصطلحين بسمعهم كتير : مركز دعم إتخاذ القرار ، واليوم العالمى لغسل اليدين

- همم ؟ آه .. طب إيه رأيك أقولك نكتة أحسن ؟


>> نسرين خفيفة الظل ، تعشق الدعابات ، وتحب أن تفيض على الآخرين من مرحها <<


- أكيد ، هو حد يطول ..

- بيقولك : مرة واحد بلدياتنا راح الهرم ، راح قايل يااااه كل دى جبنة نستو !

-


- إيه .. بايخة ؟

- إحم .. لا ، أبدًا ، أنا بس ساعات النكتة بتفاجئنى فــ مش بعرف أضحك !


لا أقوى على جرح نسرين



- بس قول لى الأول : هو أنت صعيدى ؟

- الأول إزاى يعنى ؟! ما إنتى خلاص قولتى النكتة اللطيفة ومسحتى بيهم الأرض .. أيوة يا ستى صعيدى !


>> نسرين تحترم مشاعر الآخرين .. نوعًا ما ! <<


بعد قليل ، بدا الإنزعاج على وجهها ، وقد مالت برأسها إلى الأمام ، فسألتها :


- مالك .. إنتى كويسة ؟

- مفيش أنا بس بتعب لما بركب مواصلات ، أستغلك بقة ما دام طلعت دكتور ، مش عارفة ليه كل ما أركب مواصلات بحس إنى عايزة أرجّع !

- أفندم ؟

- أرجّععععع !



نعم .. قالتها هكذا ، كمن حُبس قيؤه لقرون ، وأخيرًا وجد أذنى .. المكان المناسب ..

عذرًا فيرجينيا ، تغاضيت عن الكثير ولم يعد بإمكانى الإحتمال ..
تغاضيت عن لغتك المزرية ، ثقافتك المعدومة ، ومستوى ذكائك المنحطّ ..
تغاضيت عن بلاهتك ، دعاباتك السخيفة ، وأذنك الصدئة ..

والآن تطلبين منى أن أجعل من أذنى وعاءًا يتقئ فيه الأخرون ؟!


عفوًا فيرجينيا ، لقد حطمتِ قلبى !




- ترجعى ؟! معلش مفيش ترجيع .. على جنب يا أسطى ، أبوس إيدك !

- إيه ؟ هو أنت نازل هنا ؟

- هو الحقيقة لأ ، عادةً بنزل الآخر ، بس مش هقدر أقعد تانى أكتر من كدة .

- طب مش هشوفك تانى ؟

- إنتظرى حتى يشيب الغراب !

- إيه ؟!

- إنتى متأكدة إن إسمك نسرين .. مش نبوية ؟!

- !!!


=======



وهكذا نزلت من الميكروباص ، وعدت أدراجى للبيت ، دخلت غرفتى ونمت وأنا أتمنى أن أستيقظ هذه المرة عبوسًا مقتضب الوجه بعد حلم سئ ، أحاول جاهدًا أن أتذكر منه أية تفصيلة بلا جدوى ، ولكنه بالتأكيد سيكون سيـ .....