الخميس، 17 مارس 2011

قطار

ـ"أترك زمام أمرك للطفل الذي كنته"
من كتاب "الذكريات الصغيرة" لخوسيه ساراماجو ، نقلاً عن كتاب "النصائح"ـ


أتممت الثانية والعشرين في نوفمبر الماضي ..
اثنان وعشون عامًا ، أراها مرت سريعًا أحيانًا ؛ فيصيبني ذعر ..
وألمح -أحيانًا- ذكريات الطفولة بعيدة .. بعيدة ؛ فأغتمُّ .

أضع صورتي صغيرًا على جانب المرآه ، وأنظر لوجهي في الجانب الآخر ..
يا الله !
ماذا حدث ؟ لماذا لم أعد -أنا- أنا ؟
لماذا تركت هذا الطفل النقي ، وسمحت لهذا الآخر أن يرتع ويفسد كيفما شاء ؟!
بالتأكيد لم تكن أيام الطفولة كلها سعادة ، لكنها على أيه حال كانت أفضل من الآن .

كنت طفلا هادئًا،ماكرًا بعض الشئ ، أمشط شعري على جنب ، ألعب الكرة في الشارع ، وأفرّ هاربًا عندما تصطدم بشرفة أحد الجيران ..
أشاهد الرسوم المتحركة ، لدي لعب أحبها ، أتسلق الأشجار وأصيح كطرزان ، أفكك كل جهاز كهربائي لأستخدم المغناطيس أو الموتور في إختراعاتي العلمية التي ستغير حياة البشر في المستقبل .
كنت طفلا وديعًا ، جميل القسمات قليل الكلام ، يحبني الجميع ، وأحب نفسي ..
وحتى صديقات إخوتي كن يلتهمن وجنتي كلما رأوني ..
فأين ذهبت تلك الأيام ؟ ()

هي لم تذهب ، أنا من أجربتها على الرحيل ..
فأنا من ثار متمردًا عند الحلاق : رجعلي شعري على ورا !
وأنا من هجر اللعب في الشارع وتسلق الأشجار ..
أنا من استبدل الرسوم المتحركة بأخرى ثابتة ، ودفعت الرسوم من روحي النقية ، واستبدلتها بأخرى خبيثة فاسدة ..
مثلما استبدلت لعب الأطفال بـ علب السجائر ..
وبدلا من أن تغيّر إختراعاتي العلمية حياة البشر ، تغيرت حياتي أنا كليًّا .

=====

مررت أمس من أمام أحد محال لعب الأطفال ..
توقفت فجأة ونلتُ ما نلت من سباب السائقين ورائي ..
وقفت مبهورًا أمام واجهة المحل ، ثم تذكرت أن خلال الإثنين وعشرين عامًا الضائعة لم أمتلك يومًا قطارًا(لعبة) .
استعنت بكل مكري ، واستخدمت كل الحيَل لأقنع البائعة أنه هدية لأحد أبناء إخوتي،وكي لا تكشف نواياي ، حتى أنني أظهرت لها صورة لـ "إيثار" إبنة أختي .
أخذت البائعة تشرح لي مزايا هذا ، وكيف يعمل ذاك ، حتى أعجبني أحدهم فقلت : دة أكيد هيعجبها!
وبينما كانت البائعة تلف القطار في ورق الهدايا ، دار في ذهني ما قرأته أنت في البداية إلى أن قاطعتني :
- تحب معاه كارت ؟
- كارت إيه ؟
- كارت لعيد الميلاد .. عشان إيثار ؟
- والله يعني .. في الحقيقة .. هو مش لإيثار ، هو ليا .
فابتسمت ولم تقتنع ...
ولم تضع كارت .

لا أدري كيف أصف لك فرحتي بالقطار ، كانت كفرحة مراهِقة تقدم أحمد عز لخطبتها ..
كان فرحي الأكبر لإستعادة جزءًا من روحي .. جزءًا مني .

=====

طفولتي العزيزة ..
آسف على إهمالي لكِ السنوات السابقة ..
أصالحك الآن بالقطار ..
غدّا mbc 3 ..
بعده سأخرب جهاز الراديو ..
بعده سأسرق التوت من شجرة الرجل اليوناني عند مدرستي القديمة ..

ولكن ، آسف مرة أخرى ..
لن أستطيع أن أمشط شعري على جنب .