دعنى أبدأ بالجملة التى اختمرت فى ذهنى كبداية ، وبعدها اكتشفت أننى قد استخدمتها من قبل أمام مئات الأفعال .
سأجد صعوبة فى إقناعك أن ذلك (الفعل) هو أكثر شئ أكرهه إن كنت قد رأيتنى من قبل أقسم بكل محرجة من الأيْمان أن أشياء أخرى هى " أكثر شئ أكرهه " ..
لذا ، أتمنى منك أن تتغاضى عن ذلك ..
فأنت تعلم عندما يحاول أحدهم كتابة شئ ما ولا يجد ما يستهل به حديثه ، وتعرف بالطبع - كذلك – عندما تلتصق برأسه جملة ما ، يراها - وحده – الأنسب ، وقتها ، قد يتنازل عن جلده فى مقابل هذه الجملة .
=======
أكثر شئ أكرهه هى تلك اللحظات التى يغمر فيها اللون البمبى الحياة ..
عندما تتسامح مع نفسك وتتصالح مع ذاتك ولو لدقائق قليلة ، لكنها تكفى لكى ترى أبشع ما فى الكون أبدعه ..
تلك هى الدقائق التى أكرهها أكثر من حسام البدرى نفسه .
لسبب مبهم ، لم أعرفه قط ، تضعنى دائمًا فى تلك الخانة مع هؤلاء الذين " بيحبوا على نفسهم " ..
لذا أفرّ من هذه الحالة فرار الطفل من كلب مسعور ..
يوم سئ بالفعل ، ذلك الذى تتخلله بعضٌ من هذه الدقائق .
فى مثل هذه الأيام ، أستيقظ – على عكس العادة تمامًا – نشيطًا مبتسمًا بعد حلم جميل ، أحاول جاهدًا أن أتذكر منه أية تفصيلة بلا جدوى ، ولكنه بالتأكيد كان جميلاً ، فأنا سعيد !
أدير جهاز الكمبيوتر بينما أغسل أسنانى بمعجون النعناع الذى أمقته بشدة ، لكن ليس الآن ؛ اليوم أحب كل شئ ، والنعناع معجونى المفضل ..
أعود لجهازى وأضع بالقائمة ثلاثة أغنيات فقط بالترتيب :
- هزينى بسحرك من جوة .. دة أنا قلبى لا حول ولا قوة .. ضد التيار
- تليها : ندهنى حبيبى جيت بلا سؤال .. من نومى سرقنى من راحة البال
- وأخيرًا : تعى نقعد بالفية .. مش لحدا هالفية .. حبينى وفكرى شوية
لا أمشط شعرى ، يبدو أفضل وهو فوضوى من دون تمشيط ..
أحتسى قهوتى بهدوء مبالغ فيه ..
ثم أرتدى ملابسى فى عجل ؛ فبالتأكيد لا أود أن أتأخر على حبيبتى ، والتى لا أعرفها ، ولكنها ستكون أول فتاة تقع عليها عينى ، ولو كانت أنثى فرس النهر !
عطرى المفضل .. أتكفى ربع الزجاجة ؟!
كلا ، سأكتفى بالقليل فقط ، ربما كانت تعانى نوعًا ما من الحساسية فأزيد بذلك من توترها ، كما أننى أريد أن أترك المجال لعطرها – هى - أن يتسيّد الكون ، فلربما يكون هو آخر ما أتذكره منها غدًا !
وهذا إن كانت ممن يتعطرن .. فأنا بالطبع لا أعرف !
فيرجينيا الآن بانتظارى ، هكذا أسميتها ؛ فأنا لا أراها أبدًا إلا " فيرجينيا جميلة الجميلات " ..
ويبقى السؤال : من ستكون فيرجينيا هذا اليوم الوردى اللعين ؟
آنسة سُمية مالكة محل الخردوات ؟ لا .. فقد عشقتها مرتين الأسبوع الماضى !
مدام نادية من الصيدلية ؟ مدام ؟! كلا ، لا أضع مفتاحًا فى سيارة مستعملة .
إذن .. لنرتجل .
=======
أستقل الميكروباص إلى المترو ومنه إلى الكلية ، واثقًا من أنها ستظهر إن لم يكن عاجلاً فآجلاً ..
وضعت الهاند فرى فى أذنى ، فاخترقنى صوت زياد رحبانى من مسرحية " بالنسبة لبكرة شو " قائلاً : "" ابنك حمااار يا ثُريا "" ..
تذكرت على الفور ، فأخرجت ملزمة الـ
Histopathology
أطالع منها ما تيسر ؛ كى لا أبدو حمارًا أمام الجميع ، وفى الوقت نفسه أتلذذ بممارسة عادتى الدائمة بمناورة الفضوليين وإخفاء ما أقرأ عن أعينهم !
مرت دقائق ، وكان الميكروباص قد خلا إلا منّى وسيدة عجوز تجلس فى الأمام ، وبينما يسود الصمت المكان ، إذ ، .. .. ..
=
هذا بالطبع ليس فيلمًا سينمائيًا ، لكننى أثق فى مخيلتك ، - لطفًا - اضغط الآن على زر الـ
slow motion
=
أريد أولاً أن أوضح لك حقيقة فلكية : لا تذهب النجوم نهارًا إلى مضاجعها بعد ليل طويل أنهكها خلاله نظرات المتصوفين والعاشقين ، بل تبقى فى مكانها ولكن سطوع الشمس يطغى على لمعانها ، فلا نراها .. وحده من رأى فيرجينيا فى ذلك اليوم تقف على بعد عدة أمتار من الميكروباص يدرك هذه الحقيقة !
كانت تقف هناك تتعارك مع الشمس التى لم تجد لها لذّة إلا فى مغازلة وجه فيرجينيا ، فيرجينيا وحدها ..
دعيها عزيزتى تتزود منك فهى – مثلى – مغلوبة على أمرها ، لا تلقِ لها بالاً ؛ فأنا من الآن منشغل بوضع الخطة لصرعها ، وصنع شمسًا جديدة لنا ، يبنى الناس أماكنهم تحتها ، وينظرون إلينا من القاع .
لا أحد يعرف فى طبائع الأشجار مثلى ، هذه هى الفرع الأسطورى الذى لا جذر له ، الفرع الذى سأبنى به حديقتى سحيقة القرار ، ذات السطح المزهر كما القاع مزهر ، فقط ورود بيضاء .
أشارت للسائق أن يتوقف ، فسمع وأطاع ، ومن ذا الذى يجرؤ على مخالفة أمر من فيرجينيا ؟!
وعل كل حال ، لو لم يفعل لنحرتُ - أنا - عنقه فى الحال !
صعدت فيرجينيا وهى تتملك من عقلى ، وقد احتلت منه كل مساحات الوعى ، وطردت كل ما كان يشغله قبلها ، فلا أرى الآن سواها .
وحتى الآن ، كان بإمكانها إسدال الستار على كل شئ ، كان بإمكانها أن تجلس بأى مقعد من تلك الخالية أو حتى بجوار العجوز ، ولكنها فى هذه الأثناء كانت تستخدم سلاح أعتى المجرمين ، الأكثر تدميرًا ، والمحرم دوليًا : النظرة العميقة ..
أتعلم ؟ هناك نظرة ما تسوقك إلى فقدان الذاكرة ، إن لم تكن تؤمن بهذه الحقيقة العلمية من قبل ، فلتفعل الآن وتترك إلحادك !
صوبت سلاحها نحوى ؛ فتجمدت ، و لم تكتفِ بذلك ، بل تركت كل المقاعد وجلست بجوارى ؛ لتفضّ - كقائد أوركسترا محنّك – نغمات قلبى الرتيبة ، وتقوده إلى عزف أعظم سيمفونية من النبض العشوائى .
هكذا ، جلست الجميلة بجوارى ، يتسلل عطرها الهادئ فى جميع أركان المكان ، تسير جزيئاته وهى تلعن حجمها الذرى وقوانين الفيزياء التى أجبرتها على مغادرة جسد فيرجينيا والهبوط على أنفى ، فأنتقل - بها - إلى حيّز مكانى آخر لا يوجد فيه سواىّ وفيرجينيا ، وأقل مسافة خالية بيننا هى ألد أعدائى .
أفقت عندما رأيتها تمد يدها فى حقيبتها وتخرجها بيضاء من غير سوء ، رأيت أزهارًا فضية ، ونجومًا ملونة ، وأنهارًا من الحليب ، وثلاث سمكات تضحك ، وآمنت أنها ستضع الآن يدها على صدرى لتشفى سقمًا فى الروح ؛ فمن غيرها قادر على الإتيان بالمعجزات فى هذا الزمان ؟!
ولكنها سريعًا أقنعتنى أنها فقط تريد أن تدفع أجرة الميكروباص لها ولصديقتها ، تلك التى لم اكتشف وجودها إلا الآن .
>> فيرجينيا شخصية قيادية ، لديها حس المبادرة ، وكرم طائى ! <<
وماذا بعد ؟ يمر الوقت كالريح .. نجلس صامتيْن ، لا أحادثها ، لا حوار بيننا بعد "اتفضلى الباقى " ، لا أدرى كيف أقنعها أنها هى فيرجينيا التى بدأ بها يومى وخرجت سعيًا وراءها ، كيف .. .. ..
وتنزل العطايا من السماء ، عندما لا تتوقع ذلك .
- الجو حر أوى النهاردة ، من فضلك معاك كلينكس ؟
يا الله ! كيف غابت عن عقلى تلك الحيلة حجرية المنشأ لكسر جبال الجليد ؟!
- آه فعلاً ، اتفضلى .
وبعد أن جادت على المنديل بحبات العرق من جبينها ، وجدتها تنظر طويلاً إلى ورق الـ
Histopathology
، فاعتزلت – ولو مؤقتًا – عادتى وتركتها تقرأ بهدوء ، متظاهرُا بعدم الإهتمام ، إلى أن :
- هيسـ ... ، هسـ ... ، هسيـ ...
- هيستوباثولوجى
مسرعًا قلت ؛ كى لا يزداد حرجها
>> فيرجينيا لديها مشكلة صغيرة مع اللغة الإنجليزية ، وماذا إذن ؟ فلتذهب الإنجليزية إلى الجحيم ! فهى من خسرتها !! <<
- ويعنى إيه دى بقة ؟
- ...... .. .. . .. . .. ... .. (وبعد شرح مطوّل)
- طب وأنت فى كلية إيه ؟
>> فيرجينيا ليست غبية !! هى فقط تحب التأكد من كل شئ <<
- طب عين شمس .
- ممم .. وإسمك ... ؟
- محمود
- أومال إيه زيزو اللى على الورق دى ؟
>> ألم أقل لك سحقًا للإنجليزية ؟! ها هى عزيزتى تقرأ العربية بطلاقة ! <<
- محمود عزيز
- - أهااا .. ممم .. طب مش تسألنى أنا كمان عن إسمى ولا إيه ؟!
أيمكن أن يكون غير فيرجينيا ؟!
- أوك ، إسمك إيه ؟
- حزر ، بيبدأ بحرف النون
>> فيرجينيا ذات الروح النقية ، تملك قلب طفلة ماكرة ، وتحب الأحاجى ! <<
أجبتها مداعبًا :
- نبويّة ؟!
- إيه ؟!! إخس عليك !
جرحتها ، أليس كذلك ؟! تبًا لى ، ولتذهب دعاباتى السخيفة - مع الإنجليزية - إلى الجحيم !
- بهزر بس
- إسمى نسرين
- ممم .. إسم جميل ، تعرفى معناه ؟
- آه ، يعنى 2 نسر .
>> طفلة كما ترى ، تحب البساطة ، وربما التواضع .. لكنها بالتأكيد ليست بلهاء ! <<
- هو فى الحقيقة إسمك أجمل من كدة بكتير ، فى ناس بيقولوا إنه ورد أبيض ريحته حلوة ، وفى الناس بتقول إنه يعنى النور الساطع ، وأنا من النهاردة مصدق إن الإتنين صح ..
- بجد ؟ دة طلع معناه حلو أوى
-
يبدو أنها لم تفهم مغازلتى ، أعترف أنها كانت صعبة بعض الشئ !
فسادت بعدها فترة من السكون ، كسرت هى – كالعادة – حدتها بأن صرخت فى إنفعال :
- شوفت اللى عملوه الهيترز فينا ؟
- أفندم ؟!
- الهييترز !!
- سخانات يعنى ؟!
- لأ سخانات إيه ؟! الهيترز .. اللى هما Tamer Hosny Haters ؟!
- مش فاهم الحقيقة ..!
- احتلوا البيدج بتاعتنا على الفيس ، وبقوا يشتموا تيمو ، وشالوا صوره وحطو بدالها صور عمرو دياب !!
- ثانية واحدة .. اللى عمل فيكو كدة الهيترز .. صح ؟
- أيوة
- طب .. إنتوا مين بقة ؟
- أكبر بيدج ع الفيس .. Tamer Hosny Lovers
>> لا تتسرع فى الحكم أرجوك ، نسرين (فيرجينيا - سابقًا ) ليست مُسِفّة ، هى فقط لم تجد من يقوِّم أذنها ، لم تجد من يقنعها أن تيمو لا يصلح للطرب العربى ، وإنما يصلح فقط كمغنى للـ .. خواجات ، وأنا سأغير عاداتها <<
- أومال أنت كنت بتسمع مين ؟ كنت شايفاك حاطط الهاند فرى قبل ما أطلع .. أوعى تكون .. ؟
تيمو .. هيترز .. لوفيرز .. عمرو دياب .. زياد رحبانى ؟!!!
- لا أبدًا ، كنت سادد بيها ودانى بس عشان بيبقى عندى صداع الصبح !
فترة سادت فيها صدمة صغيرة غير مقلقة مع صمت ، والآن أنت تعرف من أنهاها :
- مقولتليش بقة .. إيه أكتر حاجة بتضحكك ؟
>> نسرين منجذبة إلىّ ! ، هل كانت تحلم هى الأخرى بـ " ريتشارد قلب الأسد " ؟! تريد منى الآن أن أفشى لها بعض أسرارى الشخصية الصغيرة <<
- يعنى .. عادى .. حاجات كتير ، يمكن اللى حاضر فى ذهنى دلوقتى مصطلحين بسمعهم كتير : مركز دعم إتخاذ القرار ، واليوم العالمى لغسل اليدين
- همم ؟ آه .. طب إيه رأيك أقولك نكتة أحسن ؟
>> نسرين خفيفة الظل ، تعشق الدعابات ، وتحب أن تفيض على الآخرين من مرحها <<
- أكيد ، هو حد يطول ..
- بيقولك : مرة واحد بلدياتنا راح الهرم ، راح قايل يااااه كل دى جبنة نستو !
-
- إيه .. بايخة ؟
- إحم .. لا ، أبدًا ، أنا بس ساعات النكتة بتفاجئنى فــ مش بعرف أضحك !
لا أقوى على جرح نسرين
- بس قول لى الأول : هو أنت صعيدى ؟
- الأول إزاى يعنى ؟! ما إنتى خلاص قولتى النكتة اللطيفة ومسحتى بيهم الأرض .. أيوة يا ستى صعيدى !
>> نسرين تحترم مشاعر الآخرين .. نوعًا ما ! <<
بعد قليل ، بدا الإنزعاج على وجهها ، وقد مالت برأسها إلى الأمام ، فسألتها :
- مالك .. إنتى كويسة ؟
- مفيش أنا بس بتعب لما بركب مواصلات ، أستغلك بقة ما دام طلعت دكتور ، مش عارفة ليه كل ما أركب مواصلات بحس إنى عايزة أرجّع !
- أفندم ؟
- أرجّععععع !
نعم .. قالتها هكذا ، كمن حُبس قيؤه لقرون ، وأخيرًا وجد أذنى .. المكان المناسب ..
عذرًا فيرجينيا ، تغاضيت عن الكثير ولم يعد بإمكانى الإحتمال ..
تغاضيت عن لغتك المزرية ، ثقافتك المعدومة ، ومستوى ذكائك المنحطّ ..
تغاضيت عن بلاهتك ، دعاباتك السخيفة ، وأذنك الصدئة ..
والآن تطلبين منى أن أجعل من أذنى وعاءًا يتقئ فيه الأخرون ؟!
عفوًا فيرجينيا ، لقد حطمتِ قلبى !
- ترجعى ؟! معلش مفيش ترجيع .. على جنب يا أسطى ، أبوس إيدك !
- إيه ؟ هو أنت نازل هنا ؟
- هو الحقيقة لأ ، عادةً بنزل الآخر ، بس مش هقدر أقعد تانى أكتر من كدة .
- طب مش هشوفك تانى ؟
- إنتظرى حتى يشيب الغراب !
- إيه ؟!
- إنتى متأكدة إن إسمك نسرين .. مش نبوية ؟!
- !!!
=======
وهكذا نزلت من الميكروباص ، وعدت أدراجى للبيت ، دخلت غرفتى ونمت وأنا أتمنى أن أستيقظ هذه المرة عبوسًا مقتضب الوجه بعد حلم سئ ، أحاول جاهدًا أن أتذكر منه أية تفصيلة بلا جدوى ، ولكنه بالتأكيد سيكون سيـ .....
سأجد صعوبة فى إقناعك أن ذلك (الفعل) هو أكثر شئ أكرهه إن كنت قد رأيتنى من قبل أقسم بكل محرجة من الأيْمان أن أشياء أخرى هى " أكثر شئ أكرهه " ..
لذا ، أتمنى منك أن تتغاضى عن ذلك ..
فأنت تعلم عندما يحاول أحدهم كتابة شئ ما ولا يجد ما يستهل به حديثه ، وتعرف بالطبع - كذلك – عندما تلتصق برأسه جملة ما ، يراها - وحده – الأنسب ، وقتها ، قد يتنازل عن جلده فى مقابل هذه الجملة .
=======
أكثر شئ أكرهه هى تلك اللحظات التى يغمر فيها اللون البمبى الحياة ..
عندما تتسامح مع نفسك وتتصالح مع ذاتك ولو لدقائق قليلة ، لكنها تكفى لكى ترى أبشع ما فى الكون أبدعه ..
تلك هى الدقائق التى أكرهها أكثر من حسام البدرى نفسه .
لسبب مبهم ، لم أعرفه قط ، تضعنى دائمًا فى تلك الخانة مع هؤلاء الذين " بيحبوا على نفسهم " ..
لذا أفرّ من هذه الحالة فرار الطفل من كلب مسعور ..
يوم سئ بالفعل ، ذلك الذى تتخلله بعضٌ من هذه الدقائق .
فى مثل هذه الأيام ، أستيقظ – على عكس العادة تمامًا – نشيطًا مبتسمًا بعد حلم جميل ، أحاول جاهدًا أن أتذكر منه أية تفصيلة بلا جدوى ، ولكنه بالتأكيد كان جميلاً ، فأنا سعيد !
أدير جهاز الكمبيوتر بينما أغسل أسنانى بمعجون النعناع الذى أمقته بشدة ، لكن ليس الآن ؛ اليوم أحب كل شئ ، والنعناع معجونى المفضل ..
أعود لجهازى وأضع بالقائمة ثلاثة أغنيات فقط بالترتيب :
- هزينى بسحرك من جوة .. دة أنا قلبى لا حول ولا قوة .. ضد التيار
- تليها : ندهنى حبيبى جيت بلا سؤال .. من نومى سرقنى من راحة البال
- وأخيرًا : تعى نقعد بالفية .. مش لحدا هالفية .. حبينى وفكرى شوية
لا أمشط شعرى ، يبدو أفضل وهو فوضوى من دون تمشيط ..
أحتسى قهوتى بهدوء مبالغ فيه ..
ثم أرتدى ملابسى فى عجل ؛ فبالتأكيد لا أود أن أتأخر على حبيبتى ، والتى لا أعرفها ، ولكنها ستكون أول فتاة تقع عليها عينى ، ولو كانت أنثى فرس النهر !
عطرى المفضل .. أتكفى ربع الزجاجة ؟!
كلا ، سأكتفى بالقليل فقط ، ربما كانت تعانى نوعًا ما من الحساسية فأزيد بذلك من توترها ، كما أننى أريد أن أترك المجال لعطرها – هى - أن يتسيّد الكون ، فلربما يكون هو آخر ما أتذكره منها غدًا !
وهذا إن كانت ممن يتعطرن .. فأنا بالطبع لا أعرف !
فيرجينيا الآن بانتظارى ، هكذا أسميتها ؛ فأنا لا أراها أبدًا إلا " فيرجينيا جميلة الجميلات " ..
ويبقى السؤال : من ستكون فيرجينيا هذا اليوم الوردى اللعين ؟
آنسة سُمية مالكة محل الخردوات ؟ لا .. فقد عشقتها مرتين الأسبوع الماضى !
مدام نادية من الصيدلية ؟ مدام ؟! كلا ، لا أضع مفتاحًا فى سيارة مستعملة .
إذن .. لنرتجل .
=======
أستقل الميكروباص إلى المترو ومنه إلى الكلية ، واثقًا من أنها ستظهر إن لم يكن عاجلاً فآجلاً ..
وضعت الهاند فرى فى أذنى ، فاخترقنى صوت زياد رحبانى من مسرحية " بالنسبة لبكرة شو " قائلاً : "" ابنك حمااار يا ثُريا "" ..
تذكرت على الفور ، فأخرجت ملزمة الـ
Histopathology
أطالع منها ما تيسر ؛ كى لا أبدو حمارًا أمام الجميع ، وفى الوقت نفسه أتلذذ بممارسة عادتى الدائمة بمناورة الفضوليين وإخفاء ما أقرأ عن أعينهم !
مرت دقائق ، وكان الميكروباص قد خلا إلا منّى وسيدة عجوز تجلس فى الأمام ، وبينما يسود الصمت المكان ، إذ ، .. .. ..
=
هذا بالطبع ليس فيلمًا سينمائيًا ، لكننى أثق فى مخيلتك ، - لطفًا - اضغط الآن على زر الـ
slow motion
=
أريد أولاً أن أوضح لك حقيقة فلكية : لا تذهب النجوم نهارًا إلى مضاجعها بعد ليل طويل أنهكها خلاله نظرات المتصوفين والعاشقين ، بل تبقى فى مكانها ولكن سطوع الشمس يطغى على لمعانها ، فلا نراها .. وحده من رأى فيرجينيا فى ذلك اليوم تقف على بعد عدة أمتار من الميكروباص يدرك هذه الحقيقة !
كانت تقف هناك تتعارك مع الشمس التى لم تجد لها لذّة إلا فى مغازلة وجه فيرجينيا ، فيرجينيا وحدها ..
دعيها عزيزتى تتزود منك فهى – مثلى – مغلوبة على أمرها ، لا تلقِ لها بالاً ؛ فأنا من الآن منشغل بوضع الخطة لصرعها ، وصنع شمسًا جديدة لنا ، يبنى الناس أماكنهم تحتها ، وينظرون إلينا من القاع .
لا أحد يعرف فى طبائع الأشجار مثلى ، هذه هى الفرع الأسطورى الذى لا جذر له ، الفرع الذى سأبنى به حديقتى سحيقة القرار ، ذات السطح المزهر كما القاع مزهر ، فقط ورود بيضاء .
أشارت للسائق أن يتوقف ، فسمع وأطاع ، ومن ذا الذى يجرؤ على مخالفة أمر من فيرجينيا ؟!
وعل كل حال ، لو لم يفعل لنحرتُ - أنا - عنقه فى الحال !
صعدت فيرجينيا وهى تتملك من عقلى ، وقد احتلت منه كل مساحات الوعى ، وطردت كل ما كان يشغله قبلها ، فلا أرى الآن سواها .
وحتى الآن ، كان بإمكانها إسدال الستار على كل شئ ، كان بإمكانها أن تجلس بأى مقعد من تلك الخالية أو حتى بجوار العجوز ، ولكنها فى هذه الأثناء كانت تستخدم سلاح أعتى المجرمين ، الأكثر تدميرًا ، والمحرم دوليًا : النظرة العميقة ..
أتعلم ؟ هناك نظرة ما تسوقك إلى فقدان الذاكرة ، إن لم تكن تؤمن بهذه الحقيقة العلمية من قبل ، فلتفعل الآن وتترك إلحادك !
صوبت سلاحها نحوى ؛ فتجمدت ، و لم تكتفِ بذلك ، بل تركت كل المقاعد وجلست بجوارى ؛ لتفضّ - كقائد أوركسترا محنّك – نغمات قلبى الرتيبة ، وتقوده إلى عزف أعظم سيمفونية من النبض العشوائى .
هكذا ، جلست الجميلة بجوارى ، يتسلل عطرها الهادئ فى جميع أركان المكان ، تسير جزيئاته وهى تلعن حجمها الذرى وقوانين الفيزياء التى أجبرتها على مغادرة جسد فيرجينيا والهبوط على أنفى ، فأنتقل - بها - إلى حيّز مكانى آخر لا يوجد فيه سواىّ وفيرجينيا ، وأقل مسافة خالية بيننا هى ألد أعدائى .
أفقت عندما رأيتها تمد يدها فى حقيبتها وتخرجها بيضاء من غير سوء ، رأيت أزهارًا فضية ، ونجومًا ملونة ، وأنهارًا من الحليب ، وثلاث سمكات تضحك ، وآمنت أنها ستضع الآن يدها على صدرى لتشفى سقمًا فى الروح ؛ فمن غيرها قادر على الإتيان بالمعجزات فى هذا الزمان ؟!
ولكنها سريعًا أقنعتنى أنها فقط تريد أن تدفع أجرة الميكروباص لها ولصديقتها ، تلك التى لم اكتشف وجودها إلا الآن .
>> فيرجينيا شخصية قيادية ، لديها حس المبادرة ، وكرم طائى ! <<
وماذا بعد ؟ يمر الوقت كالريح .. نجلس صامتيْن ، لا أحادثها ، لا حوار بيننا بعد "اتفضلى الباقى " ، لا أدرى كيف أقنعها أنها هى فيرجينيا التى بدأ بها يومى وخرجت سعيًا وراءها ، كيف .. .. ..
وتنزل العطايا من السماء ، عندما لا تتوقع ذلك .
- الجو حر أوى النهاردة ، من فضلك معاك كلينكس ؟
يا الله ! كيف غابت عن عقلى تلك الحيلة حجرية المنشأ لكسر جبال الجليد ؟!
- آه فعلاً ، اتفضلى .
وبعد أن جادت على المنديل بحبات العرق من جبينها ، وجدتها تنظر طويلاً إلى ورق الـ
Histopathology
، فاعتزلت – ولو مؤقتًا – عادتى وتركتها تقرأ بهدوء ، متظاهرُا بعدم الإهتمام ، إلى أن :
- هيسـ ... ، هسـ ... ، هسيـ ...
- هيستوباثولوجى
مسرعًا قلت ؛ كى لا يزداد حرجها
>> فيرجينيا لديها مشكلة صغيرة مع اللغة الإنجليزية ، وماذا إذن ؟ فلتذهب الإنجليزية إلى الجحيم ! فهى من خسرتها !! <<
- ويعنى إيه دى بقة ؟
- ...... .. .. . .. . .. ... .. (وبعد شرح مطوّل)
- طب وأنت فى كلية إيه ؟
>> فيرجينيا ليست غبية !! هى فقط تحب التأكد من كل شئ <<
- طب عين شمس .
- ممم .. وإسمك ... ؟
- محمود
- أومال إيه زيزو اللى على الورق دى ؟
>> ألم أقل لك سحقًا للإنجليزية ؟! ها هى عزيزتى تقرأ العربية بطلاقة ! <<
- محمود عزيز
- - أهااا .. ممم .. طب مش تسألنى أنا كمان عن إسمى ولا إيه ؟!
أيمكن أن يكون غير فيرجينيا ؟!
- أوك ، إسمك إيه ؟
- حزر ، بيبدأ بحرف النون
>> فيرجينيا ذات الروح النقية ، تملك قلب طفلة ماكرة ، وتحب الأحاجى ! <<
أجبتها مداعبًا :
- نبويّة ؟!
- إيه ؟!! إخس عليك !
جرحتها ، أليس كذلك ؟! تبًا لى ، ولتذهب دعاباتى السخيفة - مع الإنجليزية - إلى الجحيم !
- بهزر بس
- إسمى نسرين
- ممم .. إسم جميل ، تعرفى معناه ؟
- آه ، يعنى 2 نسر .
>> طفلة كما ترى ، تحب البساطة ، وربما التواضع .. لكنها بالتأكيد ليست بلهاء ! <<
- هو فى الحقيقة إسمك أجمل من كدة بكتير ، فى ناس بيقولوا إنه ورد أبيض ريحته حلوة ، وفى الناس بتقول إنه يعنى النور الساطع ، وأنا من النهاردة مصدق إن الإتنين صح ..
- بجد ؟ دة طلع معناه حلو أوى
-

يبدو أنها لم تفهم مغازلتى ، أعترف أنها كانت صعبة بعض الشئ !
فسادت بعدها فترة من السكون ، كسرت هى – كالعادة – حدتها بأن صرخت فى إنفعال :
- شوفت اللى عملوه الهيترز فينا ؟
- أفندم ؟!
- الهييترز !!
- سخانات يعنى ؟!
- لأ سخانات إيه ؟! الهيترز .. اللى هما Tamer Hosny Haters ؟!
- مش فاهم الحقيقة ..!
- احتلوا البيدج بتاعتنا على الفيس ، وبقوا يشتموا تيمو ، وشالوا صوره وحطو بدالها صور عمرو دياب !!
- ثانية واحدة .. اللى عمل فيكو كدة الهيترز .. صح ؟
- أيوة
- طب .. إنتوا مين بقة ؟
- أكبر بيدج ع الفيس .. Tamer Hosny Lovers
>> لا تتسرع فى الحكم أرجوك ، نسرين (فيرجينيا - سابقًا ) ليست مُسِفّة ، هى فقط لم تجد من يقوِّم أذنها ، لم تجد من يقنعها أن تيمو لا يصلح للطرب العربى ، وإنما يصلح فقط كمغنى للـ .. خواجات ، وأنا سأغير عاداتها <<
- أومال أنت كنت بتسمع مين ؟ كنت شايفاك حاطط الهاند فرى قبل ما أطلع .. أوعى تكون .. ؟
تيمو .. هيترز .. لوفيرز .. عمرو دياب .. زياد رحبانى ؟!!!
- لا أبدًا ، كنت سادد بيها ودانى بس عشان بيبقى عندى صداع الصبح !
فترة سادت فيها صدمة صغيرة غير مقلقة مع صمت ، والآن أنت تعرف من أنهاها :
- مقولتليش بقة .. إيه أكتر حاجة بتضحكك ؟
>> نسرين منجذبة إلىّ ! ، هل كانت تحلم هى الأخرى بـ " ريتشارد قلب الأسد " ؟! تريد منى الآن أن أفشى لها بعض أسرارى الشخصية الصغيرة <<
- يعنى .. عادى .. حاجات كتير ، يمكن اللى حاضر فى ذهنى دلوقتى مصطلحين بسمعهم كتير : مركز دعم إتخاذ القرار ، واليوم العالمى لغسل اليدين
- همم ؟ آه .. طب إيه رأيك أقولك نكتة أحسن ؟
>> نسرين خفيفة الظل ، تعشق الدعابات ، وتحب أن تفيض على الآخرين من مرحها <<
- أكيد ، هو حد يطول ..
- بيقولك : مرة واحد بلدياتنا راح الهرم ، راح قايل يااااه كل دى جبنة نستو !
-

- إيه .. بايخة ؟
- إحم .. لا ، أبدًا ، أنا بس ساعات النكتة بتفاجئنى فــ مش بعرف أضحك !
لا أقوى على جرح نسرين
- بس قول لى الأول : هو أنت صعيدى ؟
- الأول إزاى يعنى ؟! ما إنتى خلاص قولتى النكتة اللطيفة ومسحتى بيهم الأرض .. أيوة يا ستى صعيدى !
>> نسرين تحترم مشاعر الآخرين .. نوعًا ما ! <<
بعد قليل ، بدا الإنزعاج على وجهها ، وقد مالت برأسها إلى الأمام ، فسألتها :
- مالك .. إنتى كويسة ؟
- مفيش أنا بس بتعب لما بركب مواصلات ، أستغلك بقة ما دام طلعت دكتور ، مش عارفة ليه كل ما أركب مواصلات بحس إنى عايزة أرجّع !
- أفندم ؟
- أرجّععععع !
نعم .. قالتها هكذا ، كمن حُبس قيؤه لقرون ، وأخيرًا وجد أذنى .. المكان المناسب ..
عذرًا فيرجينيا ، تغاضيت عن الكثير ولم يعد بإمكانى الإحتمال ..
تغاضيت عن لغتك المزرية ، ثقافتك المعدومة ، ومستوى ذكائك المنحطّ ..
تغاضيت عن بلاهتك ، دعاباتك السخيفة ، وأذنك الصدئة ..
والآن تطلبين منى أن أجعل من أذنى وعاءًا يتقئ فيه الأخرون ؟!
عفوًا فيرجينيا ، لقد حطمتِ قلبى !
- ترجعى ؟! معلش مفيش ترجيع .. على جنب يا أسطى ، أبوس إيدك !
- إيه ؟ هو أنت نازل هنا ؟
- هو الحقيقة لأ ، عادةً بنزل الآخر ، بس مش هقدر أقعد تانى أكتر من كدة .
- طب مش هشوفك تانى ؟
- إنتظرى حتى يشيب الغراب !
- إيه ؟!
- إنتى متأكدة إن إسمك نسرين .. مش نبوية ؟!
- !!!
=======
وهكذا نزلت من الميكروباص ، وعدت أدراجى للبيت ، دخلت غرفتى ونمت وأنا أتمنى أن أستيقظ هذه المرة عبوسًا مقتضب الوجه بعد حلم سئ ، أحاول جاهدًا أن أتذكر منه أية تفصيلة بلا جدوى ، ولكنه بالتأكيد سيكون سيـ .....
