الجمعة، 1 يوليو 2011

الشظية

لم أنزل يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 !
نعم ، تخلفتُ عن أول أيام الثورة .. ثورة الحرية والكرامة .
لم أنزل ؛ ليس لأنني كنت مسافرًا ، أو لأنني لم أعلم بوجود ثورة ،
ولكننى لم أنزل لأسباب أخرى ...

==========

عشتُ ما مرّ من عمري مولعًا بالتاريخ ، أقرأ عن نضال الشعوب في سبيل الظفر بحريتهم ، أو لطرد مستعمِر أجنبي ، أو .. أو ..
قرأت عن الثورة البلشفية ، وعشتُ الثورة الفرنسية ، كنت زنجيًا بجانب مالكوم إكس ، هِمتُ بالثورة الجزائرية ..
وكذلك الثورات المصرية : العرابية ، ثورة 1919 ، وأخيرًا ثورة يوليو .

تاريخ .. تاريخ جميل ، وشعوب عظيمة كافحت حتى نالت حريتها بيدها ، ولم تتسولها .
تساءلت كثيرًا : لمَ انتهى عصر هذه الثورات ؟ لماذا لا تثور الشعوب ؟
هل هم راضون عن حياتهم إلى هذا المدى .. أم إنهم إرتضوا بها ؟!
كانت الإجابة الوحيدة : الثورات تاريخ .. تاريخ عظيم ، كُتب قديمًا لنقرأه ، نقرأه فقط .

تمنيتُ كثيرًا لو كنتُ في إحدى هذه الثورات التي قرأتُ عنها ، لو تذوقتُ ذلك الاحساس الذي طالما شعرتُ به وأنا أقرأ ، على أرض الواقع .
ظل حلمًا ، ليس بعيد المنال فحسب ، بل من المحال أن يتحقق ؛ فإرادة الشعب قد ولّت ، وزال ثمن الثورات ، نسى الناس صوتهم وأنهم ما زلوا أحياء ،
وعلينا أن نمضي أجلنا بإنتظار معجزة من السماء ..
بإنتظار جنود الله ... تخلصنا من عبيده !

كانت أمنية عصيّة ، واحدة من تلك الأمنيات التي تتمناها عندما ترى شهابًا يدلف في السماء ، وما إن توليه ظهرك ، حتى يُخرج لك الشهاب لسانه مستهزءًا ، وربما قال لك : هع .. إبقى قابلني !

جاء الحلم ، وبدأت الثورة ... ولم أنزل ؛
لأنها بالتأكيد مزحة سخيفة ؛ فزمن الثورات - كما تعلم – قد ولّى ..
وأنا أنتظر معجزة من السماء ..
أنتظر جنود الله ..

(( أو هكذا إعتقدتُ))

***

كمعظم الشباب ، تلقيتُ دعوة النزول لمظاهرة سلمية من خلال الفيس بوك .
علمتُ بكل التفاصيل ، موعد المظاهرة ، وأماكنها ؛ فضحكت ، وقلتُ كما قال لك الشهاب قبل قليل : مظاهرة ؟ هع .. إبقى قابلني !
ولأنني أكره لعب دور مُثبِّط الهِمم ، تحاشيت الحديث مع أحدٍ في الأمر ، وتركت من انتوى المشاركة يشارك ، وهم على كل حال لن يتخطوا المئات ، وسأجلس أنا مع الجموع الغفيرة أتابعهم من المنزل .

جاء الحلم ، وبدأت الثورة ... ولم أنزل ؛
لأننى يائس ، لم أثق يومًا بإرادة المصريين حتى بات إيماني أن لا شئ - سوى صور إسرافيل – بإمكانه إيقاظهم من سباتهم العميق ، فهل مجرد دعوة على الفيس بوك ستكون هذا البوق ؟!
محال !

(( أو هكذا إعتقدتُ ))

***

على مدى الماضي القريب ، تابعتُ عدة أحداث مثل هذه تتم ، وتبوء جميعها بالفشل ؛ إما لأن أحد لم يلبّي الدعوة ، أو لأن أحد لا يستجيب .
تابعتُ إعتصام عدة نقابات ، ومظاهرات المحلة ، والعديد من الوقفات الاحتجاجية ، والمسيرات السلمية ، وما لا يحصى من الوقفات الصامتة ؛ ولم يحرك أحدٌ ساكنًا ، وكأنها كانت فى دولة أخرى ،
بل وأعتقد أن السادة المسئولين قد خرّوا على قفاهم ضاحكين ، ومن الأخيرة بالذات (وقفة صامتة ! )

جاء الحلم ، وبدأت الثورة ... ولم أنزل ؛
لأنني متشائم ..
فقل لي أنت بالله عليك .. لم أتكبّد هذا العناء ، ما دام سيضيع في النهاية هباءًا ؟!

(( أو هكذا إعتقدتُ ))

***

ليس لديّ - نسبيًا – همّ شخصي أعاني منه ..
لا أعاني ضائقة مالية ، لا أريد علاجًا على نفقة الدولة ، لا أقف ساعات فى طوابير الخبز ، لم يقتل مخبرون أخى ثم ينعتونه " شهيد البانجو " !
بالإضافة إلى إنى طالب فى أفضل كلية .. كلية الطب .. في غضون سنوات قليلة سأنهي دراستي وأصير طبيبًا ، وربما طبيبًا ماهرًا ، لم لا ؟!
سيكون لي مركز إجتماعي مرموق ، مهنة شريفة ، منزل هادئ ، زوجة حنون وأبناء طيّبون ، وثروة (فلمَ الثورة؟!) .
لماذا أنزل وأُقتَل ، أو يتم اعتقالي ، وأضيع بذلك هذا الحلم الوردي الجميل ؟!

جاء الحلم ، وبدأت الثورة .. ولم أنزل ؛
لأنني كنت جبانًا !

(( أو هكذا إعتقدتُ ))

==========

لم أنزل يوم الثلاثاء ، لكنني نزلت الأربعاء والخميس والجمعة .
ما رأيته يوم الثلاثاء حطّم يأسي وتشاؤمي وجُبني .

- لم تكن مزحة سخيفة ، بل كانت ثورة .. ثورة حقيقية ، كتلك التي طالما قرأتُ عنها . لم أكن لأفوّت فرصة المشاركة في الثورة .. حلمي القديم ، وأملي الحاضر ، والسبيل الوحيد لغدٍ أفضل .
لم أكن لأفوّتها ، وأجلس لأتابعها في التلفاز ..
أردتُ كتابة ثورة ، وليس مجرد قراءتها ...
لذا نزلت .

- لأننا خير أجناد الأرض ..
لأننا - نحن - المعجزة ..
لأننا - نحن - جنود الله ، إذا أخلصنا النِيّة ..
لأن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم ...
لذا نزلت .

- استيقظ المصريون واستفاقوا .. نزل مئات الآلاف يطالبون بحقوقهم ، وبدا شعاع الأمل يلوح في الأفق ...
لذا نزلت .

- نزلتُ ؛ لأنني لم أخش شيئًا ، الحلم الوردي كان باطنه أسود اللون والمصير . من يريدون الخبز و العلاج هم أهلي ، وشهيد الطوارئ أخي ، من أخدع ؟!
وأي حياة أخاف عليها ؟! فليقتلوني إذن إن أرادوا ..
للحرية ثمن ليس ببخس ، وللجنة ثمن نفيس ...
لذا نزلت .

***

نزلت ..
كنت قاب مترين أو أدنى من الموت ، مرّ الرصاص من أمام عيني ومن فوق رأسي ، سقطت قنبلة تحت قدمي ، زُهقت روحٌ بين يدي ..
نزلت ..
صرخت معهم : الشعب يريد إسقاط النظام ..
وطفر الدمع من عينى لهيبًا وأنا أهتف : حـــــريـــــة .. حـــــريـــــة .

============

سؤال محيّر :

ترى أيهم أنا ؟
محمود الذي منعه الخوف من النزول أول أيام الثورة ..
أم محمود الذي نزل بقية الأيام يبحث عن الموت ، والموت يهرب منه ؟!

***

سؤال قاسي :

لماذا لم يدركني الموت ؟
يا ويلتي .. أأنا موغل في النأى إلى هذا الحد عن منزلة الشهداء ؟!

0 التعليقات:

إرسال تعليق